يروى أن رجلا من أهل دمشق يسمى بأبي عبد ربه، وكان أكثر أهل دمشق مالا، وأنه خرج مسافرا، فأمسى الى جانب نهر ومرعى، فنزل فيه، فسمع صوتا يكثر حمدا لله في ناجية المرج. قال: فاتبعته، فوجدته رجلا ملفوفا في حصير، قال: فسلمت عليه، وقلت له: من أنت يا عبدالله؟.
قال: رجل من المسلمين.
فقلت له: فما هذه الحالة؟
قال: نعمة يجب عليّ شكرها.
فقلت: كيف وأنت ملفوف في حصير وأي نعمة عليك؟!.
قال: ان الله خلقني، فأحسن خلقي، وجعل منشأي ومولدي في الاسلام، وألسني العافية في أركاني، وستر عليّ ما أكره ذكره، فمن أعظم نعمة ممن أمسى في مثل ما أنا فيه؟.
فقلنا: رحمك الله، لعلك أن تقوم معي الى منزلي، فأنا نزول على النهر هاهنا بازائك.
قال: ولم؟.
قلت: لتصيب شيئا من الطعام، ونعطيك ما يغنيك عن لبس الحصير.
قال: ما اي في ذلك من حاجة.
فأبى أن يسير معي، فانصرفت وقد تقاصرت عندي نفسي ومقتها، وقلت: لم أخلّف بدمشق رجلا أكثر مني مالا، وأنا ألتمس الزيادة.
فقلت: اللهم اني أتوب اليك مما أنا فيه، فتبت ولم يعلم أحد بما اجتمعت عليه، فلما كان في السحر، رحل الناس، وقدّموا اليّ دابتي، فصرفتها الى دمشق، وقلت: ما أنا بصادق في التوبة ان أنا مضيت الى متجري، فسألني القوم فأخبرتهم، فعاتبوني على المشي معهم فأبيت.
فلما قدم على دمشق قال ناقل الحديث: فوضع يده في ماله وتصدق به، وفرّقه في سبيل الله، ولزم العبادة حتى توفي رضي الله عنه، فلما توفي لم يوجد عنده الا قدر حق الكفن.
وأنشدوا:
ذكر الوعيد فطرفه لا يهجع وجفا الرّقاد فبان عنه المضجع
متفرّدا بغليله يشكو الذي منه الجوانح والحشا يتوجع
لما تيقّن صدق ما جاءت به الـ آيات صار الى الانابة يسرع
فجفا الأحبّة في محبّة ربّه وسما اليه بهمّة ما يقلع
وتمتعت بوداده أعضاؤه اذ خصّها منه بودّ ينفع
كم في الظلام له اذا نام الورى من زفرة في اثرها يتوجّع
ويقول في دعواته يا سيدي العين يسعدها دموع رجع
اني فزعت اليك فارحم عبرتي واليك من ذلّ الخطيئة أفزع
من ذا سواك يجيرني من ذلتي يا من لعزته أذلّ وأخضع
فامنن عليّ بتوبة أحيا بها اني بما اجترمت يداي مروّع
قل التصبّر عنك يا من حبّه في الجارحات سقامه يتسرّع
كيف اصطبار متيّم في حبّه قدما لكاسات الهوى يتجرّع
لاحت وعن صدق المحبة ما بدت للناظرين نجوم ليل تطلع
ما الفوز الا في محبّة سيده فيها المحبّ اذا تواضع يرفع