قَوْله ( وَعِزَّتك لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَد إِلَّا دَخَلَهَا )
يُرِيدُ أَنَّ مُقْتَضَى مَا فِيهَا مِنْ اللَّذَّة وَالْخَيْر وَالنِّعْمَة أَنْ لَا يَتْرُكَهَا أَحَد سَمِعَ بِهَا فِي أَيّ نِعْمَة كَانَ وَلَا يُمْنَعُ عَنْهَا شَيْء مِنْ النَّعَم وَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا أَحَدٌ بِغَيْرِهَا أَيّ شَيْء كَانَ وَالْمَطْلُوب مَدْحُهَا وَمَدْح مَا أُعِدَّ فِيهَا وَتَعْظِيمهَا وَتَعْظِيم مَا فِيهَا دَار لَا يُسَاوِيهَا دَار وَلَيْسَ الْمُرَاد الْحَقِيقَة حَتَّى يُقَالَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ جِبْرِيل بِهَذَا الْحَلِف حَانِثًا وَيَكُونَ فِي هَذَا الْخَبَر كَاذِبًا وَهَذَا ظَاهِر وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا إِنْ بَقِيَتْ عَلَى هَذِهِ الْحَالَة
( فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ )
أَيْ جُعِلَتْ سُبُلُ الْوُصُول إِلَيْهَا الْمَكَارِه وَالشَّدَائِد عَلَى الْأَنْفُس كَالصَّوْمِ وَالزَّكَاة وَالْجِهَاد وَلَعَلَّ لِهَذِهِ الْأَعْمَال وُجُودًا مِثَالِيًّا ظَهَرَ بِهَا فِي ذَلِكَ الْعَالَم وَأَحَاطَتْ الْجَنَّة مِنْ كُلّ جَانِب وَقَدْ جَاءَ الْكِتَاب وَالسُّنَّة بِمِثْلِهِ وَمِنْ جُمْلَة ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ } أَيْ الْمُسَمَّيَات عَلَى الْمَلَائِكَة وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِيهَا الْمَعْقُولَات وَالْمَعْدُومَات وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم
( أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَد إِلَّا دَخَلَهَا )
الظَّاهِرُ أَنَّ جُمْلَة إِلَّا دَخَلَهَا حَال بِتَقْدِيرِ قَدْ مُسْتَثْنًى مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَال وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ النَّجَاة فِيهَا إِذَا دَخَلَهَا فَالِاسْتِثْنَاء مِنْ قَبِيل التَّعْلِيق بِالْمُسْتَحِيلِ أَيْ لَا يَنْجُو مِنْهَا أَحَد فِي حَال إِلَّا حَال دُخُوله فِيهَا وَهُوَ مُسْتَحِيل فَصَارَتْ النَّجَاة مُسْتَحِيلَة وَقَدْ قِيلَ يُمَثِّلُهُ فِي قَوْله تَعَالَى { لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا } وَقَوْله { لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْت إِلَّا الْمَوْتَة الْأُولَى