الَّتِي بَعْدَهُ ، وَهِيَ مِمَّا تُبَيِّنُهُ ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَسْلُبُ الْمَعْرِفَةَ عِنْدَ كَثْرَةِ الِاسْتِتَارِ ، فَدَلَّ ، وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ تَمْيِيزَهُنَّ عَلَى الْإِمَاءِ اللَّاتِي يَمْشِينَ حَاسِرَاتٍ ، أَوْ بِقِنَاعٍ مُفْرَدٍ ، يَعْتَرِضُهُنَّ الرِّجَالُ فَيَتَكَشَّفْنَ ، وَيُكَلِّمْنَهُنَّ ؛ فَإِذَا تَجَلْبَبَتْ وَتَسَتَّرَتْ كَانَ ذَلِكَ حِجَابًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُتَعَرِّضِ بِالْكَلَامِ ، وَالِاعْتِمَادُ بِالْإِذَايَةِ ، وَقَدْ قِيلَ : وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : إنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ .
قَالَ قَتَادَةُ : كَانَتْ الْأَمَةُ إذَا مَرَّتْ تَنَاوَلَهَا الْمُنَافِقُونَ بِالْإِذَايَةِ ، فَنَهَى اللَّهُ الْحَرَائِرَ أَنْ يَتَشَبَّهْنَ بِالْإِمَاءِ ؛ لِئَلَّا يَلْحَقَهُنَّ مِثْلُ تِلْكَ الْإِذَايَةِ .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَضْرِبُ الْإِمَاءَ عَلَى التَّسَتُّرِ وَكَثْرَةِ التَّحَجُّبِ ، وَيَقُولُ : أَتَتَشَبَّهْنَ بِالْحَرَائِرِ ؟ وَذَلِكَ مِنْ تَرْتِيبِ أَوْضَاعِ الشَّرِيعَةِ بَيِّنٌ .
الْآيَةُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا } .
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحِ الثَّابِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا سَتِيرًا حَيِيًّا مَا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ ، وَقَالُوا : مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ إلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ ، إمَّا بَرَصٌ ، وَإِمَّا أُدْرَةٌ ، وَإِمَّا آفَةٌ ، وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا ، وَإِنَّ مُوسَى خَلَا يَوْمًا وَحْدَهُ ، وَخَلَعَ ثِيَابَهُ ، وَوَضَعَهَا عَلَى حَجَرٍ ، ثُمَّ اغْتَسَلَ .
فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا ، وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ ، فَطَلَبَ الْحَجَرَ ؛ فَجَعَلَ يَقُولُ : ثَوْبِي ، حَجَرٌ ؛ ثَوْبِي ، حَجَرٌ ، حَتَّى انْتَهَى إلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ ، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ النَّاسِ خَلْقًا ، وَأَبْرَأَهُمْ مِمَّا كَانُوا يَقُولُونَ لَهُ .
قَالَ : وَقَامَ إلَى الْحَجَرِ ، وَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسَهُ ، وَطَفِقَ مُوسَى بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ ، فَوَاَللَّهِ إنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ عَصَاهُ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا ؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ آذَوْا مُوسَى } .
فَهَذِهِ إذَايَةٌ فِي بَدَنِهِ } .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمَنْثُورِ : أَنَّ مُوسَى وَهَارُونَ صَعِدَا الْجَبَلَ فَمَاتَ هَارُونُ ، فَقَالَ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى : أَنْتَ قَتَلْته ، وَكَانَ أَلْيَنَ لَنَا مِنْك ، وَأَشَدَّ حُبًّا ؛ فَآذَوْهُ فِي ذَلِكَ ، فَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَحَمَلْته ، فَمَرُّوا بِهِ عَلَى مَجَالِسِ بَنِي إسْرَائِيلَ ، فَتَكَلَّمَتْ الْمَلَائِكَةُ بِمَوْتِهِ ، فَمَا عَرَفَ مَوْضِعَ قَبْرِهِ إلَّا الرَّخَمُ ، وَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ أَصَمَّ أَبْكَمَ ، وَهَذِهِ
إذَايَةٌ فِي الْعِرْضِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي هَذَا النَّهْيِ عَنْ التَّشَبُّهِ بِبَنِي إسْرَائِيلَ فِي إذَايَةِ نَبِيِّهِمْ مُوسَى : وَفِيهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ بِقَوْلِهِ : { لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ } .
وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فَوَقَعَ النَّهْيُ ، تَكْلِيفًا لِلْخَلْقِ ، وَتَعْظِيمًا لِقَدْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَعَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ تَحْقِيقًا لِلْمُعْجِزَةِ ، وَتَصْدِيقًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَنْفِيذًا لِحُكْمِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ ، وَرَدًّا عَلَى الْمُبْتَدِعَةِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا مَعَانِيَ الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ مُخْتَصَرِ النَّيِّرَيْنِ .
الْآيَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ قَوْله تَعَالَى : { إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } .
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي حَقِيقَةِ الْعَرْضِ : وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْمُشْكِلَيْنِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي ذِكْرِ الْأَمَانَةِ : وَفِيهَا اخْتِلَاطُ كَثِيرٍ مِنْ الْقَوْلِ ، لُبَابُهُ فِي عَشْرَةِ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّهَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ ؛ قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ .
الثَّانِي : أَنَّهَا الْفَرَائِضُ ؛ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ .
الثَّالِثُ : أَنَّهَا أَمَانَةُ الْفَرْجِ عِنْدَ الْمَرْأَةِ ؛ قَالَهُ أُبَيٌّ .
الرَّابِعُ : أَنَّ اللَّهَ وَضَعَ الرَّحِمَ عِنْدَ آدَمَ أَمَانَةً .
الْخَامِسُ : أَنَّهَا الْخِلَافَةُ .
السَّادِسُ : أَنَّهَا الْجَنَابَةُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ ؛ قَالَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ .
السَّابِعُ : أَنَّهَا أَمَانَةُ آدَمَ قَابِيلَ عَلَى أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ ، فَقَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ .
الثَّامِنُ : أَنَّهَا وَدَائِعُ النَّاسِ .
التَّاسِعُ : أَنَّهَا الطَّاعَةُ .
الْعَاشِرُ : أَنَّهَا التَّوْحِيدُ .
فَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ ، تَرْجِعُ إلَى قِسْمَيْنِ : أَحَدُهُمَا : التَّوْحِيدُ : فَإِنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْعَبْدِ ، وَخَفِيَ فِي الْقَلْبِ ، لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أُنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ } .
ثَانِيهِمَا : قِسْمُ الْعَمَلِ : وَهُوَ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الشَّرِيعَةِ ، وَكُلُّهَا أَمَانَةٌ تَخْتَصُّ بِتَأْكِيدِ الِاسْمِ فِيهَا .
وَالْمَعْنَى مَا كَانَ خَفِيًّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ النَّاسُ ، فَأَخْفَاهُ أَحَقُّهُ بِالْحِفْظِ ، وَأَخْفَاهُ أَلْزَمُهُ بِالرِّعَايَةِ وَأَوْلَاهُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : تَخْتَصُّ بِالْأَحْكَامِ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ : ثَلَاثَةٌ : الْأَوَّلُ : الْوَدَائِعُ ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا ، وَأَوْضَحْنَا وَجْهَ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ فِيهَا ، وَهَلْ تُقَابَلُ بِخِيَانَةٍ أَمْ لَا ؟ الثَّانِي : أَمَانَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى حَيْضِهَا وَحَمْلِهَا .
وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ .
الثَّالِثُ : الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ ، وَهُمَا أَمَانَتَانِ عَظِيمَتَانِ لَا يَعْلَمُهُمَا إلَّا اللَّهُ ، وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ ؛ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ جُعِلَ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَهُوَ يَجْزِي بِهِ حَسْبَمَا وَرَدَ ، وَلِذَلِكَ قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إنَّ الطَّهَارَةَ لَمَّا كَانَتْ خَفِيَّةً لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ كَانَ الْحُكْمُ فِيهَا إذَا صَلَّى إمَامٌ بِقَوْمٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ مُحْدِثٌ ، فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَحْدَهُ ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ حَدَثَهُ أَوْ طَهَارَتَهُ لَا تُعْلَمُ حَقِيقَةً ، وَإِنَّمَا تُعْلَمُ بِظَاهِرٍ مِنْ الْقَوْلِ ، وَاجْتِهَادٍ فِي النَّظَرِ ؛ لَيْسَ بِنَصٍّ وَلَا يَقِينٍ ، وَقَدْ أُدِّيَتْ الصَّلَاةُ وَرَاءَهُ بِاجْتِهَادٍ ؛ وَلَا يَنْقُضُ بِاجْتِهَادٍ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُهُ لِلْحَدِيثِ غَيْرَ صَحِيحٍ ، وَهُوَ أَيْضًا نَاسٍ فِيهِ ؛ إذْ هُوَ غَيْرُ مُحَقِّقٍ لَهُ حَتَّى بَالَغُوا فِي ذَلِكَ النَّظَرِ ، وَاسْتَوْفَوْا فِيهِ الْحَقَّ ، فَقَالُوا : إنَّ الْإِمَامَ إذَا قَالَ : صَلَّيْت بِكُمْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا سَنَةً مُتَعَمِّدًا لِتَرْكِ الطَّهَارَةِ مَا اسْتَقْبَلْت فِيهَا قِبْلَةً بِوُضُوءٍ ، وَلَا اغْتَسَلْت عَنْ جَنَابَةٍ ، ذَنْبًا ارْتَكَبْته ؛ وَسَيِّئَةً اجْتَرَمَتْهَا ، وَأَنَا مِنْهَا تَائِبٌ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَاحِدٍ مِمَّنْ صَلَّى وَرَاءَهُ إعَادَةٌ ؛ وَاَللَّهُ حَسِيبُهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ غَيْرُ مُتَحَقَّقٍ مِنْ قَوْلِهِ ، وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ ، وَهَذَا كَذِبٌ لِعِلَّةٍ أَوْ حِيلَةٍ أَوْ لِتَهَوُّرٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا رَبَّ غَيْرُهُ .
سُورَةُ سَبَأٍ [ مَكِّيَّةٌ فِيهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ ] الْآيَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُد مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ } .
[ فِيهَا مَسْأَلَتَانِ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَوْلُهُ : { فَضْلًا } : فِيهِ ] أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَوْلًا : الْأَوَّلُ : النُّبُوَّةُ .
الثَّانِي : الزَّبُورُ .
الثَّالِثُ : حُسْنُ الصَّوْتِ .
الرَّابِعُ : تَسْخِيرُ الْجِبَالِ وَالنَّاسِ .
الْخَامِسُ : التَّوْبَةُ .
السَّادِسُ : الزِّيَادَةُ فِي الْعُمْرِ .
السَّابِعُ : الطَّيْرُ .
الثَّامِنُ : الْوَفَاءُ بِمَا وُعِدَ .
التَّاسِعُ : حُسْنُ الْخُلُقِ .
الْعَاشِرُ : الْحُكْمُ بِالْعَدْلِ .
الْحَادِيَ عَشَرَ : تَيْسِيرُ الْعِبَادَةِ .
الثَّانِيَ عَشَرَ : الْعِلْمُ ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُد وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا } .
الثَّالِثَ عَشَرَ : الْقُوَّةُ ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُد ذَا الْأَيْدِ إنَّهُ أَوَّابٌ } .
الرَّابِعَ عَشَرَ : قَوْلُهُ : { وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } .
وَالْمُرَادُ هَاهُنَا مِنْ جُمْلَةِ الْأَقْوَالِ حُسْنُ الصَّوْتِ ؛ فَإِنَّ سَائِرَهَا قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ فِي كِتَابِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ الْمُشْكِلَيْنِ .
وَكَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَا صَوْتٍ حَسَنٍ وَوَجْهٍ حَسَنٍ ، وَلَهُ { قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ : لَقَدْ أُوتِيت مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد } ، وَهِيَ :
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَفِيهِ دَلِيلُ الْإِعْجَابِ بِحُسْنِ الصَّوْتِ ، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ قَالَ : { رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ أَوْ جَمَلِهِ وَهِيَ تَسِيرُ بِهِ ، وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ أَوْ مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ قِرَاءَةً لَيِّنَةً وَهُوَ يُرَجِّعُ ، وَيَقُولُ آهٍ } ، وَاسْتَحْسَنَ كَثِيرٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ الْقِرَاءَةَ بِالْأَلْحَانِ وَالتَّرْجِيعِ ، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ .
وَهُوَ جَائِزٌ { لِقَوْلِ أَبِي مُوسَى لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ : لَوْ عَلِمْت أَنَّك تَسْمَعُ لَحَبَّرْته لَك تَحْبِيرًا } ؛ يُرِيدُ لَجَعَلْته لَك أَنْوَاعًا حِسَانًا ، وَهُوَ التَّلْحِينُ ، مَأْخُوذٌ مِنْ الثَّوْبِ الْمُحَبَّرِ ، وَهُوَ الْمُخَطَّطُ بِالْأَلْوَانِ .
وَقَدْ سَمِعْت تَاجَ الْقُرَّاءِ ابْنَ لُفْتَةَ بِجَامِعِ عَمْرٍو يَقْرَأُ : { وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَك } .
فَكَأَنِّي مَا سَمِعْت الْآيَةَ قَطُّ .
وَسَمِعْت ابْنَ الرَّفَّاءِ وَكَانَ مِنْ الْقُرَّاءِ الْعِظَامِ يَقْرَأُ ، وَأَنَا حَاضِرٌ بِالْقَرَافَةِ : فَكَأَنِّي مَا سَمِعْتهَا قَطُّ .
وَسَمِعْت بِمَدِينَةِ السَّلَامِ شَيْخَ الْقُرَّاءِ الْبَصْرِيِّينَ يَقْرَأُ فِي دَارٍ بِهَا الْمَلِكُ : { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ } فَكَأَنِّي مَا سَمِعْتهَا قَطُّ حَتَّى بَلَغَ إلَى قَوْله تَعَالَى : { فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ } فَكَأَنَّ الْإِيوَانَ قَدْ سَقَطَ عَلَيْنَا .
وَالْقُلُوبُ تَخْشَعُ بِالصَّوْتِ الْحَسَنِ كَمَا تَخْضَعُ لِلْوَجْهِ الْحَسَنِ ، وَمَا تَتَأَثَّرُ بِهِ الْقُلُوبُ فِي التَّقْوَى فَهُوَ أَعْظَمُ فِي الْأَجْرِ وَأَقْرَبُ إلَى لِينِ الْقُلُوبِ وَذَهَابِ الْقَسْوَةِ مِنْهَا .
وَكَانَ ابْنُ الْكَازَرُونِيِّ يَأْوِي إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ، ثُمَّ تَمَتَّعْنَا بِهِ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ ، وَلَقَدْ كَانَ يَقْرَأُ فِي مَهْدِ عِيسَى فَيُسْمَعُ مِنْ الطُّورِ ، فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَصْنَعَ شَيْئًا طُولَ قِرَاءَتِهِ إلَّا الِاسْتِمَاعَ إلَيْهِ .
وَكَانَ صَاحِبُ مِصْرَ الْمُلَقَّبُ بِالْأَفْضَلِ قَدْ دَخَلَهَا فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَحَوَّلَهَا عَنْ
أَيْدِي الْعَبَّاسِيَّةِ ، وَهُوَ حَنَقَ عَلَيْهَا وَعَلَى أَهْلِهَا بِحِصَارِهِ لَهُمْ وَقِتَالِهِمْ لَهُ ، فَلَمَّا صَارَ فِيهَا ، وَتَدَانَى بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى مِنْهَا ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَصَدَّى لَهُ ابْنُ الْكَازَرُونِيِّ ، وَقَرَأَ : { قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِك الْخَيْرُ إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فَمَا مَلَكَ نَفْسَهُ حِينَ سَمِعَهُ أَنْ قَالَ لِلنَّاسِ عَلَى عِظَمِ ذَنْبِهِمْ عِنْدَهُ ، وَكَثْرَةِ حِقْدِهِ عَلَيْهِمْ : { لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } .
وَالْأَصْوَاتُ الْحَسَنَةُ نِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، وَزِيَادَةٌ فِي الْخَلْقِ وَمِنَّةٌ .
وَأَحَقُّ مَا لُبِّسَتْ هَذِهِ الْحُلَّةُ النَّفِيسَةُ وَالْمَوْهِبَةُ الْكَرِيمَةُ كِتَابُ اللَّهِ ؛ فَنِعَمُ اللَّهِ إذَا صُرِفَتْ فِي الطَّاعَةِ فَقَدْ قُضِيَ بِهَا حَقُّ النِّعْمَةِ .
الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى : { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُد شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ } .
فِيهَا سَبْعُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْمِحْرَابُ : هُوَ الْبِنَاءُ الْمُرْتَفِعُ الْمُمْتَنِعُ ، وَمِنْهُ يُسَمَّى الْمِحْرَابُ فِي الْمَسْجِدِ ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَعُهُ ، أَنْشَدَ فَقِيهُ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى عَطَاءٌ الصُّوفِيُّ : جَمَعَ الشَّجَاعَةَ وَالْخُضُوعَ لِرَبِّهِ مَا أَحْسَنَ الْمِحْرَابَ فِي الْمِحْرَابِ وَالْجِفَانُ أَكْبَرُ الصِّحَافِ قَالَ الشَّاعِرُ : يَا جَفْنَةً بِإِزَاءِ الْحَوْضِ قَدْ كُفِئَتْ وَمَنْطِقًا مِثْلَ وَشْيِ الْبُرْدَةِ الْخَضِرِ وَالْجَوَابِي جَمْعُ جَابِيَةٍ ، وَهِيَ الْحَوْضُ الْعَظِيمُ الْمَصْنُوعُ قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ جَفْنَةً : كَجَابِيَةِ الشَّيْخِ الْعِرَاقِيِّ تَفْهَقُ { وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ } يَعْنِي ثَابِتَاتٍ ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا } .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ شَاهَدْت مِحْرَابَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِنَاءً عَظِيمًا مِنْ حِجَارَةٍ صَلْدَةٍ لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ ، طُولُ الْحَجَرِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا ، وَعَرْضُهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا ، وَكُلَّمَا قَامَ بِنَاؤُهُ صَغُرَتْ حِجَارَتُهُ ، وَيُرَى لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْوَارٍ ؛ لِأَنَّهُ فِي السَّحَابِ أَيَّامَ الشِّتَاءِ كُلَّهَا لَا يَظْهَرُ لِارْتِفَاعِ مَوْضِعِهِ وَارْتِفَاعُهُ فِي نَفْسِهِ ، لَهُ بَابٌ صَغِيرٌ وَمَدْرَجَةٌ عَرِيضَةٌ ، وَفِيهِ الدُّورُ وَالْمَسَاكِنُ ، وَفِي أَعْلَاهُ الْمَسْجِدُ ، وَفِيهِ كُوَّةٌ شَرْقِيَّةٌ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فِي قَدْرِ الْبَابِ ، وَيَقُولُ النَّاسُ : إنَّهُ تَطَلَّعَ مِنْهَا عَلَى الْمَرْأَةِ حِينَ دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْحَمَامَةُ ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِي هَدْمِهِ حِيلَةٌ ، وَفِيهِ نَجَا مَنْ نَجَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ حِينَ دَخَلَهَا الرُّومُ حَتَّى صَالَحُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِأَنْ أَسْلَمُوهُ إلَيْهِمْ ، عَلَى أَنْ يَسْلَمُوا فِي رِقَابِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ، فَكَانَ ذَلِكَ ، وَتَخَلَّوْا لَهُمْ عَنْهُ .
وَرَأَيْت فِيهِ غَرِيبَةَ
الدَّهْرِ ، وَذَلِكَ أَنَّ ثَائِرًا ثَارَ بِهِ عَلَى وَالِيهِ ، وَامْتَنَعَ فِيهِ بِالْقُوتِ ، فَحَصَرَهُ ، وَحَاوَلَ قِتَالَهُ بِالنُّشَّابِ مُدَّةً ، وَالْبَلَدُ عَلَى صِغَرِهِ مُسْتَمِرٌّ عَلَى حَالِهِ ، مَا أُغْلِقَتْ لِهَذِهِ الْفِتْنَةِ سُوقٌ ، وَلَا سَارَ إلَيْهَا مِنْ الْعَامَّةِ بَشَرٌ ، وَلَا بَرَزَ لِلْحَالِ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى مُعْتَكِفٌ ، وَلَا انْقَطَعَتْ مُنَاظَرَةٌ ، وَلَا بَطَلَ التَّدْرِيسُ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْعَسْكَرِيَّةُ قَدْ تَفَرَّقَتْ فِرْقَتَيْنِ يَقْتَتِلُونَ ، وَلَيْسَ عِنْدَ سَائِرِ النَّاسِ لِذَلِكَ حَرَكَةٌ ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُ هَذَا فِي بِلَادِنَا لَاضْطَرَمَتْ نَارُ الْحَرْبِ فِي الْبَعِيدِ وَالْقَرِيبِ ، وَلَانْقَطَعَتْ الْمَعَايِشُ .
وَغُلِّقَتْ الدَّكَاكِينُ ، وَبَطَلَ التَّعَامُلُ لِكَثْرَةِ فُضُولِنَا وَقِلَّةِ فُضُولِهِمْ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى : { وَتَمَاثِيلَ } ، وَاحِدَتُهَا تِمْثَالٌ ، وَهُوَ بِنَاءٌ غَرِيبٌ ؛ فَإِنَّ الْأَسْمَاءَ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى " تِفْعَالٍ " قَلِيلَةٌ مُنْحَصِرَةٌ ؛ جِمَاعُهَا مَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَعَالِي ثَابِتُ بْنُ بُنْدَارٍ ، أَخْبَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ رَزِيَّةَ ، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو سَعِيدٍ ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ قَالَ : رَجُلٌ تِكْلَامٌ : كَثِيرُ الْكَلَامِ وَتِلْقَامٌ : كَثِيرُ اللُّقَمِ ، وَرَجُلٌ تِمْسَاحٌ : كَذَّابٌ ، وَنَاقَةٌ تِضْرَابٌ : قَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِالضِّرَابِ ، وَالتِّمْرَادُ : بَيْتٌ صَغِيرٌ لِلْحَمَامِ .
وَتِلْفَاقٌ .
ثَوْبَانِ يُخَاطُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ .
وَالتِّجْفَافُ : مَعْرُوفٌ .
وَتِمْثَالٌ : مَعْرُوفٌ .
وَتِبْيَانٌ : مِنْ الْبَيَانِ وَتِلْقَاءَ : قُبَالَتَك وَتِهْوَاءَ مِنْ اللَّيْلِ : قِطْعَةٌ .
وَتِعْشَارٌ : مَوْضِعٌ .
وَرَجُلٌ تِنْبَالٌ : قَصِيرٌ .
وَتِلْعَابٌ : كَثِيرُ اللَّعِبِ .
وَتِقْصَارٌ : قِلَادَةٌ .
فَهَذِهِ سِتَّةَ عَشَرَ مِثَالًا .
فَلَمَّا قَرَأْت إصْلَاحَ الْمَنْطِقِ بِبَغْدَادَ عَلَى الشَّيْخِ الْأَجَلِّ الْخَطِيبِ رَئِيسِ اللُّغَةِ وَخَازِنِ دَارِ الْعِلْمِ أَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنِ عَلِيٍّ التَّبْرِيزِيِّ قَالَ لِي : كُنْت أَقْرَأُ خُطَبَ ابْنِ نَبَاتَةَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْعَرَبِيِّ اللُّغَوِيِّ الْفَرَائِضِيِّ فَوَصَلْت إلَى قَوْلِهِ : وَتِذْكَارُهُمْ تُوَاصِلُ مَسِيلَ الْعَبَرَاتِ ، وَقَرَأْته بِخَفْضِ التَّاءِ فَرَدَّ عَلَيَّ ، وَقَالَ وَتَذْكَارُهُمْ بِفَتْحِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ تِفْعَالٌ إلَّا التِّلْقَاءَ وَإِلَّا التِّبْيَانَ ، وَتِعْشَارٌ وَتِنْزَالٌ مَوْضِعَانِ ، وَتِقْصَارٌ : قِلَادَةٌ .
قَالَ لِي التَّبْرِيزِيُّ : ثُمَّ قَرَأْت خُطَبَ ابْنِ نَبَاتَةَ عَلَى بَعْضِ أَشْيَاخِي ، فَلَمَّا وَصَلْت إلَى اللَّفْظِ وَذَكَرْت لَهُ كَلَامَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ قَالَ لِي : اُكْتُبْ مَا أَمَلِي عَلَيْك .
فَأَمْلَى عَلَيَّ : الْأَشْيَاءُ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى تِفْعَالٍ ضَرْبَانِ : مَصَادِرُ وَأَسْمَاءٌ ؛ فَأَمَّا الْمَصَادِرُ فَالتِّلْقَاءُ وَالتِّبْيَانُ ؛ وَهُمَا فِي الْقُرْآنِ .
وَالْأَسْمَاءُ : رَجُلٌ
تِنْبَالٌ : أَيْ قَصِيرٌ .
وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ التَّاءَ فِي تِنْبَالٍ أَصْلِيَّةٌ فَيَكُونُ وَزْنُهُ فِعْلَالًا .
وَذَكَرَ مَا قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ وَزَادَ التِّنْضَالُ مِنْ الْمُنَاضَلَةِ والتِّيغَارُ حَبٌّ مَقْطُوعٌ يَزِيدُ فِي الْخَابِيَةِ ، وَتِرْيَاعٌ : مَوْضِعٌ ، وَالتِّرْبَانُ وَتِرْغَامٌ اسْمُ شَاعِرٍ ، وَيُقَالُ جَاءَ لِتِنْفَاقِ الْهِلَالِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا ، وَالتِّمْتَانُ وَاحِدُ التِّمْتَانَيْنِ ، وَهِيَ خُيُوطٌ تُضْرَبُ بِهَا الْفُسْطَاطُ .
وَرَجُلٌ تِمْزَاحٌ كَثِيرُ الْمُزَاحِ ، وَالتِّمْسَاحُ الدَّابَّةُ الْمَعْرُوفَةُ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ التِّمْثَالُ عَلَى قِسْمَيْنِ حَيَوَانٌ وَمَوَاتٌ ، وَالْمَوَاتُ عَلَى قِسْمَيْنِ : جَمَادٌ وَنَامٍ ، وَقَدْ كَانَتْ الْجِنُّ تَصْنَعُ لِسُلَيْمَانَ جَمِيعَهُ ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ طَرِيقَيْنِ : أَحَدُهُمَا عُمُومُ قَوْلِهِ : { تَمَاثِيلَ } .
وَالثَّانِي مَا رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ ، أَصْلُهَا الإسرائليات ؛ لِأَنَّ التَّمَاثِيلَ مِنْ الطَّيْرِ كَانَتْ عَلَى كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ .
فَإِنْ قِيلَ : لَا عُمُومَ لِقَوْلِهِ : { تَمَاثِيلَ } فَإِنَّهُ إثْبَاتٌ فِي نَكِرَةٍ ، وَالْإِثْبَاتُ فِي النَّكِرَةِ لَا عُمُومَ لَهُ ؛ إنَّمَا الْعُمُومُ فِي النَّفْيِ فِي النَّكِرَةِ حَسْبَمَا قَرَرْتُمُوهُ فِي الْأُصُولِ .
قُلْنَا : كَذَلِكَ نَقُولُ ، بَيْدَ أَنَّهُ قَدْ اُقْتُرِنَ بِهَذَا الْإِثْبَاتِ فِي النَّكِرَةِ مَا يَقْتَضِي حَمْلَهُ عَلَى الْعُمُومِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : { مَا يَشَاءُ } فَاقْتِرَانُ الْمَشِيئَةِ بِهِ يَقْتَضِي الْعُمُومَ لَهُ .
فَإِنْ قِيلَ : فَكَيْفَ شَاءَ عَمَلَ الصُّوَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا ؟ قُلْنَا : لَمْ يَرِدْ أَنَّهُ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهَا فِي شَرْعِهِ ، بَلْ وَرَدَ عَلَى أَلْسِنَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ كَانَ أَمْرًا مَأْذُونًا فِيهِ ، وَاَلَّذِي أُوجِبَ النَّهْيَ عَنْهُ فِي شَرْعِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا كَانَتْ الْعَرَبُ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ ، فَكَانُوا يُصَوِّرُونَ وَيَعْبُدُونَ ، فَقَطَعَ اللَّهُ الذَّرِيعَةَ وَحَمَى الْبَابَ .
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ حِينَ ذَمَّ الصُّوَرَ وَعَمَلَهَا مِنْ الصَّحِيحِ قَوْلَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { مَنْ صَوَّرَ صُورَةً عَذَّبَهُ اللَّهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ } ؛ فَعَلَّلَ بِغَيْرِ مَا زَعَمْتُمْ .
قُلْنَا : نُهِيَ عَنْ الصُّورَةِ ، وَذَكَرَ عِلَّةَ التَّشْبِيهِ بِخَلْقِ اللَّهِ ، وَفِيهَا زِيَادَةُ عِلَّةِ عِبَادَتِهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ ، فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ نَفْسَ عَمَلِهَا مَعْصِيَةٌ ، فَمَا ظَنُّك بِعِبَادَتِهَا ، وَقَدْ وَرَدَ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ شَأْنُ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا أُنَاسًا ، ثُمَّ
صُوِّرُوا بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَعُبِدُوا .
وَقَدْ شَاهَدْت بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة إذَا مَاتَ مِنْهُمْ مَيِّتٌ صَوَّرُوهُ مِنْ خَشَبٍ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ ، وَأَجْلَسُوهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ بَيْتِهِ وَكَسَوْهُ بِزَّتَهُ إنْ كَانَ رَجُلًا وَحِلْيَتَهَا إنْ كَانَتْ امْرَأَةً ، وَأَغْلَقُوا عَلَيْهِ الْبَابَ .
فَإِذَا أَصَابَ أَحَدًا مِنْهُمْ كَرْبٌ أَوْ تَجَدَّدَ لَهُ مَكْرُوهٌ فَتَحَ الْبَابَ [ عَلَيْهِ ] وَجَلَسَ عِنْدَهُ يَبْكِي وَيُنَاجِيهِ بِكَانَ وَكَانَ حَتَّى يَكْسِرَ سَوْرَةَ حُزْنِهِ بِإِهْرَاقِ دُمُوعِهِ ، ثُمَّ يُغْلِقُ الْبَابَ عَلَيْهِ وَيَنْصَرِفُ عَنْهُ ، وَإِنْ تَمَادَى بِهِمْ الزَّمَانُ يَعْبُدُوهَا مِنْ جُمْلَةِ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ ، فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ إنْ قُلْنَا : إنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَنَا لَا تَلْزَمُنَا فَلَيْسَ يُنْقَلُ عَنْ ذَلِكَ حُكْمٌ .
وَإِنْ قُلْنَا : إنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا فَيَكُونُ نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصُّوَرِ نَسْخًا ، وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي قِسْمِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ قَبْلَ هَذَا .
وَإِنْ قُلْنَا : إنَّ الَّذِي كَانَ يُصْنَعُ لَهُ الصُّوَرُ الْمُبَاحَةُ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ وَصُورَتِهِ فَشَرْعُنَا وَشَرْعُهُ وَاحِدٌ .
وَإِنْ قُلْنَا : إنَّ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْهِ مَا كَانَ شَخْصًا لَا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ ، لُبَابُهُ أَنَّ أُمَّهَاتِ الْأَحَادِيثِ خَمْسُ أُمَّهَاتٍ : الْأُمُّ الْأُولَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ ، أَوْ هُمْ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا .
وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ صُورَةٍ .
الْأُمُّ الثَّانِيَةُ رُوِيَ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ } زَادَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ : { إلَّا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ } وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ نَحْوُهُ ، فَقُلْت لِعَائِشَةَ : هَلْ سَمِعْت هَذَا ؟ فَقَالَتْ : لَا ؛
وَسَأُحَدِّثُكُمْ ؛ { خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فَأَخَذْت نَمَطًا فَنَشَرْته عَلَى الْبَابِ ، فَلَمَّا قَدِمَ وَرَأَى النَّمَطَ عَرَفْت الْكَرَاهَةَ فِي وَجْهِهِ ، فَجَذَبَهُ حَتَّى هَتَكَهُ ، وَقَالَ : إنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الْحِجَارَةَ وَالطِّينَ .
قَالَتْ : فَقَطَعْت مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ وَحَشَوْتهمَا لِيفًا فَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَيَّ } .
الْأُمُّ الثَّالِثَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ : { كَانَ لَنَا سِتْرٌ فِيهِ تِمْثَالٌ طَائِرٌ ، وَكَانَ الدَّاخِلُ إذَا دَخَلَ اسْتَقْبَلَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : حَوِّلِي هَذَا فَإِنِّي كُلَّمَا رَأَيْته ذَكَرْت الدُّنْيَا } .
الْأُمُّ الرَّابِعَةُ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُتَسَتِّرَةٌ بِقِرَامٍ فِيهِ صُورَةٌ فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ ، ثُمَّ قَالَ : إنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ خَلْقَ اللَّهِ .
قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقَطَّعْته ، فَجَعَلْت مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ } .
الْأُمُّ الْخَامِسَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ : { كَانَ لَنَا ثَوْبٌ مَمْدُودٌ عَلَى سَهْوَةٍ فِيهَا تَصَاوِيرُ ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَخِّرِيهِ عَنِّي ، فَجَعَلْت مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ ؛ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْتَفِقُ بِهِمَا } .
وَفِي رِوَايَةٍ فِي حَدِيثِ النُّمْرُقَةِ قَالَتْ : { اشْتَرَيْتهَا لَك لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَتَوَسَّدَهَا ؛ فَقَالَ : إنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ } .
قَالَ الْقَاضِي : فَتَبَيَّنَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الصُّوَرَ مَمْنُوعَةٌ عَلَى الْعُمُومِ ، ثُمَّ جَاءَ : إلَّا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ ، فَخُصَّ مِنْ جُمْلَةِ الصُّوَرِ ، ثُمَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ فِي الثَّوْبِ الْمُصَوَّرِ : أَخِّرِيهِ عَنِّي ؛ فَإِنِّي كُلَّمَا رَأَيْته ذَكَرْت
الدُّنْيَا فَثَبَتَتْ الْكَرَاهَةُ فِيهِ .
ثُمَّ بِهَتْكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّوْبَ الْمُصَوَّرَ عَلَى عَائِشَةَ مَنَعَ مِنْهُ ، ثُمَّ بِقَطْعِهَا لَهَا وِسَادَتَيْنِ حَتَّى تَغَيَّرَتْ الصُّورَةُ وَخَرَجَتْ عَنْ هَيْئَتِهَا بِأَنَّ جَوَازَ ذَلِكَ إذَا لَمْ تَكُنْ الصُّورَةُ فِيهِ مُتَّصِلَةَ الْهَيْئَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ مُتَّصِلَةَ الْهَيْئَةِ لَمْ يَجُزْ لِقَوْلِهَا فِي النُّمْرُقَةِ الْمُصَوَّرَةِ : اشْتَرَيْتهَا لَك لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَتَوَسَّدَهَا ، فَمَنَعَ مِنْهُ وَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ ، وَتَبَيَّنَ بِحَدِيثِ الصَّلَاةِ إلَى الصُّورَةِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا [ فِي الرَّقْمِ ] فِي الثَّوْبِ ، ثُمَّ نَسَخَهُ الْمَنْعُ ، فَهَكَذَا اسْتَقَرَّ فِيهِ الْأَمْرُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ قَوْله تَعَالَى : { وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ } : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ : كَالْجَوْبَةِ مِنْ الْأَرْضِ .
{ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ } يَعْنِي لَا تُحْمَلُ وَلَا تُحَرَّكُ لِعِظَمِهَا ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ قُدُورُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ يُصْعَدُ إلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِسُلَّمٍ ، وَرَأَيْت بِرِبَاطِ أَبِي سَعِيدٍ قُدُورَ الصُّوفِيَّةِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُمْ يَطْبُخُونَ جَمِيعًا ، وَيَأْكُلُونَ جَمِيعًا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْثَارِ أَحَدٍ مِنْهُمْ عَنْ أَحَدٍ ، وَعَنْهَا عَبَّرَ طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ بِقَوْلِهِ : كَالْجَوَابِي لَا تَنِي مُتْرَعَةً لِقِرَى الْأَضْيَافِ أَوْ لَلْمُحْتَضَرِ وَقَالَ أَيْضًا : يُجْبَرُ الْمَحْرُوبُ فِيهَا مَالَهُ بِجِفَانٍ وَقِبَابٍ وَخَدَمٍ .
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ قَوْله تَعَالَى : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُد شُكْرًا } : فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُد شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ } .
ثُمَّ قَالَ : ثَلَاثٌ مَنْ أُوتِيَهُنَّ فَقَدْ أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ آلُ دَاوُد .
قَالَ : فَقُلْنَا : مَا هُنَّ ؟ قَالَ : الْعَدْلُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا ، وَالْقَصْدُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى ، وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ } .
الثَّانِي : قَوْلُهُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ .
الثَّالِثُ : الصَّلَاةُ شُكْرٌ ، وَالصِّيَامُ شُكْرٌ ، وَكُلُّ خَيْرٍ يُفْعَلُ لِلَّهِ شُكْرٌ .
قَالَ الْقَاضِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : حَقِيقَةُ الشُّكْرِ اسْتِعْمَالُ النِّعْمَةِ فِي الطَّاعَةِ ، وَالْكُفْرَانُ : اسْتِعْمَالُهَا فِي الْمَعْصِيَةِ .
وَقَلِيلٌ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْخَيْرَ أَقَلُّ مِنْ الشَّرِّ ، وَالطَّاعَةَ أَقَلُّ مِنْ الْمَعْصِيَةِ بِحَسْبِ سَابِقِ التَّقْدِيرِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
الْآيَةُ الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } .
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ : { يُخْلِفُهُ } يَعْنِي يَأْتِي بِثَانٍ بَعْدَ الْأَوَّلِ ، وَمِنْهُ الْخِلْفَةُ فِي النَّبَاتِ .
وَقَالَ أَعْرَابِيٌّ لِأَبِي بَكْرٍ : يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ .
فَقَالَ : لَا .
بَلْ أَنَا الْخَالِفَةُ بَعْدَهُ .
[ قَالَ ثَعْلَبٌ : يُرِيدُ بِالْقَاعِدِ بَعْدَهُ ] ، وَالْخَالِفَةُ الَّذِي يَسْتَخْلِفُهُ الرَّئِيسُ عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي مَعْنَى الْخَلَفِ هَاهُنَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ : الْأَوَّلُ : يُخْلِفُهُ إذَا رَأَى ذَلِكَ صَلَاحًا ، كَمَا يُجِيبُ الدُّعَاءَ إذَا شَاءَ .
الثَّانِي يُخْلِفُهُ بِالثَّوَابِ .
الثَّالِثُ : مَعْنَى يُخْلِفُهُ ، فَهُوَ أَخْلَفَهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا عِنْدَ الْعَبْدِ مِنْ خَلَفِ اللَّهِ وَرِزْقِهِ .
رَوَى أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَقُولُ اللَّهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْك } .
وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخَلَفَ فِي الدُّنْيَا بِمِثْلِ الْمُنْفِقِ بِهَا إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ، وَهُوَ كَالدُّعَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ سَوَاءٌ ؛ إمَّا أَنْ تُقْضَى حَاجَتُهُ ، وَكَذَلِكَ فِي النَّفَقَةِ يُعَوَّضُ مِثْلَهُ وَأَزْيَدَ ، وَإِمَّا أَنْ يُعَوَّضَ ، وَالتَّعْوِيضُ هَاهُنَا بِالثَّوَابِ ، وَإِمَّا أَنْ يُدَّخَرَ لَهُ ، وَالِادِّخَارُ هَاهُنَا مِثْلُهُ فِي الْآخِرَةِ .
سُورَةُ فَاطِرٍ [ فِيهَا آيَتَانِ ] الْآيَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَاَلَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ } .
فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي قَوْلِهِ : { يَصْعَدُ } ؛ وَالصُّعُودُ هُوَ الْحَرَكَةُ إلَى فَوْقَ ، وَهُوَ الْعُرُوجُ أَيْضًا .
وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ ؛ لِأَنَّهُ عَرْضٌ ، وَلَكِنْ ضَرَبَ صُعُودَهُ مَثَلًا لِقَبُولِهِ ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الثَّوَابِ فَوْقَ ، وَمَوْضِعَ الْعَذَابِ أَسْفَلَ .
وَالصُّعُودُ رِفْعَةٌ وَالنُّزُولُ هَوَانٌ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْكَلِمِ الطَّيِّبِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّهُ التَّوْحِيدُ الصَّادِرُ عَنْ عَقِيدَةٍ طَيِّبَةٍ .
الثَّانِي : مَا يَكُونُ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ .
الثَّالِثُ : مَا لَا يَكُونُ لِلْعَبْدِ فِيهِ حَظٌّ ، وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ : { وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ } : هُوَ الْمُوَافِقُ لِلسُّنَّةِ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَوْلُهُ : { يَرْفَعُهُ } : قِيلَ الْفَاعِلُ فِي يَرْفَعُهُ مُضْمَرٌ يَعُودُ عَلَى اللَّهِ أَيْ هُوَ الَّذِي يَرْفَعُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ ، كَمَا أَنَّهُ إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ .
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ الَّذِي يُصْعِدُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ ، وَقَدْ قَالَ السَّلَفُ بِالْوَجْهَيْنِ ، وَهُمَا صَحِيحَانِ .
فَالْأَوَّلُ حَقِيقَةٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّافِعُ الْخَافِضُ .
وَالثَّانِي مَجَازٌ ؛ وَلَكِنَّهُ جَائِزٌ سَائِغٌ .
وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمَرْءِ بِذِكْرِ اللَّهِ إنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ لَمْ يَنْفَعْ ؛ لِأَنَّ مَنْ خَالَفَ قَوْلُهُ فِعْلَهُ فَهُوَ وَبَالٌ عَلَيْهِ .
وَتَحْقِيقُ هَذَا أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ إذَا وَقَعَ شَرْطًا فِي الْقَوْلِ أَوْ مُرْتَبِطًا بِهِ فَإِنَّهُ لَا قَبُولَ لَهُ إلَّا بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِيهِ وَلَا مُرْتَبِطًا بِهِ فَإِنَّ كَلِمَهُ الطَّيِّبَ يُكْتَبُ لَهُ ، وَعَمَلُهُ الصَّالِحُ يُكْتَبُ عَلَيْهِ ، وَتَقَعُ الْمُوَازَنَةُ بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ يُحْكَمُ لَهُ بِالْفَوْزِ وَالرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ ذَكَرُوا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ : { إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ بِعُمُومٍ عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ فِي الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ .
وَقَدْ دَخَلَ هَذَا فِي الصَّلَاةِ بِشُرُوطِهَا ، فَلَا يَقْطَعُهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَّا بِثُبُوتِ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ مِنْ مِثْلِ مَا انْعَقَدَتْ بِهِ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ .
وَقَدْ تَعَلَّقَ مَنْ رَأَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ .
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَشَرْحِ الْحَدِيثِ ، وَذَكَرْنَا أَنَّ الْآثَارَ فِي ذَلِكَ بَيِّنَةٌ مُتَعَارِضَةٌ فَتَبْقَى الصَّلَاةُ عَلَى صِحَّتِهَا .
الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى : { وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } .
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْقَوْلَ فِي طَعَامِ الْبَحْرِ وَحِلْيَتِهِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَالنَّحْلِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ هَاهُنَا .
سُورَةُ يس [ فِيهَا أَرْبَعُ آيَاتٍ ] الْآيَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى : { يس } : فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى هَكَذَا كُتِبَ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي سَطَّرْنَاهَا الْآنَ ، وَهِيَ فِي الْمُصْحَفِ كَذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ ثَبَتَ قَوْلُهُ : { ق } وَثَبَتَ قَوْلُهُ : { ن وَالْقَلَمِ } ؛ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَى التَّهَجِّي ، فَيُقَالُ فِيهِ يَاسِين ، وَلَا قِيلَ قَافْ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ، وَلَا نُونْ وَالْقَلَمِ ، وَلَوْ ثَبَتَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ لَقُلْت فِيهَا قَوْلَ مَنْ يَقُولُ : إنَّ قَافَ جَبَلٌ ، وَإِنَّ نُونَ الْحُوتُ أَوْ الدَّوَاةُ ؛ فَكَانَتْ فِي ذَلِكَ حِكْمَةٌ بَدِيعَةٌ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْخُلَفَاءَ وَالصَّحَابَةَ الَّذِينَ تَوَلَّوْا كَتْبَ الْقُرْآنِ كَتَبُوهَا مُطْلَقَةً لِتَبْقَى تَحْتَ حِجَابِ الْإِخْفَاءِ ، وَلَا يُقْطَعُ عَلَيْهَا بِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي الْمُحْتَمَلَةِ ؛ فَإِنَّ الْقَطْعَ عَلَيْهَا إنَّمَا يَكُونُ بِدَلِيلِ خَبَرٍ ؛ إذْ لَيْسَ لِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ أَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ قَالَهُ مَالِكٌ ، رَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ قَالَ : سَأَلْت مَالِكًا هَلْ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُسَمِّيَ يس ؟ قَالَ : مَا أَرَاهُ يَنْبَغِي ، لِقَوْلِ اللَّهِ : { يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ } يَقُولُ : هَذَا اسْمِي يس .
الثَّانِي : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يس يَا إنْسَانُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ ، وَقَوْلُك يَا طَهَ : يَا رَجُلُ .
وَعَنْهُ رِوَايَةُ أَنَّهُ اسْمُ اللَّهِ ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ كُنِيَ بِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ يَا يس أَيْ يَا سَيِّدُ .
الرَّابِعُ أَنَّهُ مِنْ فَوَاتِحِ السُّوَرِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : سَمَّانِي اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ سَبْعَةَ أَسْمَاءٍ : مُحَمَّدًا ، وَأَحْمَدَ ، وَطَه ، وَيس ، وَالْمُزَّمِّلَ وَالْمُدَّثِّرَ ، وَعَبْدَ اللَّهِ } .
وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ ، وَقَدْ جَمَعْنَا أَسْمَاءَهُ مِنْ الْقُرْآنِ
وَالسُّنَّةِ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ : لَا يُسَمَّى أَحَدٌ يس ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ اللَّهِ كَلَامٌ بَدِيعٌ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَسَمَّى بِاسْمِ اللَّهِ إذَا كَانَ فِيهِ مَعْنًى مِنْهُ ، كَقَوْلِهِ : عَالِمٌ ، وَقَادِرٌ ، وَمُرِيدٌ ، وَمُتَكَلِّمٌ ؛ وَإِنَّمَا مَنَعَ مَالِكٌ مِنْ التَّسْمِيَةِ بِهَذَا ، لِأَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ لَا يُدْرَى مَعْنَاهُ ، فَرُبَّمَا كَانَ مَعْنَاهُ يَنْفَرِدُ بِهِ الرَّبُّ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ إذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ هَلْ هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْبَارِي فَيُقَدَّمُ عَلَى خَطَرٍ مِنْهُ ، فَاقْتَضَى النَّظَرُ رَفْعَهُ عَنْهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { سَلَامٌ عَلَى إلْ يَاسِينَ } .
قُلْنَا : ذَلِكَ مَكْتُوبٌ بِهِجَاءٍ فَيَجُوزُ التَّسْمِيَةُ بِهِ ، وَهَذَا الَّذِي لَيْسَ بِمُتَهَجًّى هُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ مَالِكٌ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِشْكَالِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .