مصر اسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ التوبة (51)
 
الرئيسيةمحرك بحثأحدث الصورالتسجيلدخول

مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَاالْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ الرعد (35)

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِفَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ آل عمران (103)

اختر لغة الموقع من هنا
أختر لغة المنتدى من هنا
ناشونال جرافيك
كتاب أحكام القرآن ج23 Uoouuo10
الجزيرة - مباشر مصر
كتاب أحكام القرآن ج23 _uoooo10
الجزيرة نت
كتاب أحكام القرآن ج23 Ouoous17
الجزيرة america
كتاب أحكام القرآن ج23 Ouoous18
الاخوان المسلمون
كتاب أحكام القرآن ج23 Ouoouo14
cnn english
كتاب أحكام القرآن ج23 Oouu_o11
جريدة الشعب
كتاب أحكام القرآن ج23 Oousoo10
احرار 25
كتاب أحكام القرآن ج23 Ooooo_11
شبكة رصد الاخبارية
كتاب أحكام القرآن ج23 Oouo14
الجزيرة الوثائقية
كتاب أحكام القرآن ج23 Ouoous19
CNN بالعربية
كتاب أحكام القرآن ج23 Oouooo10
المواضيع الأخيرة
» خطبة عيد الفطر 2016(صلة الرحم ) للشيخ أسامة موسى عبدالله الأزهري برقم 1045
كتاب أحكام القرآن ج23 I_icon_minitimeالسبت يناير 28, 2017 9:02 am من طرف mousa

» حدوتة مصرية وفقرة عن مناسك الحج وكيفية الاستعداد لها
كتاب أحكام القرآن ج23 I_icon_minitimeالسبت يناير 28, 2017 9:01 am من طرف mousa

» خطبة الحقوق المتكافئة ويوم عرفه للشيخ أسامةموسى عبدالله الأزهري برقم
كتاب أحكام القرآن ج23 I_icon_minitimeالسبت يناير 28, 2017 8:59 am من طرف mousa

» فضل الحج والعشر ويوم عرفة للشيخ أسامة موسى عبدالله الأزهري قناة النيل الثقافية
كتاب أحكام القرآن ج23 I_icon_minitimeالسبت يناير 28, 2017 8:57 am من طرف mousa

» الأضحية ومايتعلق بها(للشيخ أسامة موسى عبدالله الأزهري برقم
كتاب أحكام القرآن ج23 I_icon_minitimeالسبت يناير 28, 2017 8:55 am من طرف mousa

» الهجرة النبوية اسباب ودروس للشيخ اسامه موسي عبدالله الازهري بتاريخ 3 10 2016
كتاب أحكام القرآن ج23 I_icon_minitimeالسبت يناير 28, 2017 8:53 am من طرف mousa

» خطبة العيد التضحية والاضحية 2016 للشيخ أسامة موسى عبدالله الأزهري
كتاب أحكام القرآن ج23 I_icon_minitimeالسبت يناير 28, 2017 8:52 am من طرف mousa

» درس حق الزوجة للشيخ أسامة موسى عبدالله الأزهري
كتاب أحكام القرآن ج23 I_icon_minitimeالسبت يناير 28, 2017 8:50 am من طرف mousa

» خطبة الخطبة الهجرة النبويةوالبناء والأخلاق للشيخ أسامة موسى عبدلله الأزهري 2016
كتاب أحكام القرآن ج23 I_icon_minitimeالسبت يناير 28, 2017 8:48 am من طرف mousa

المهندس محمد موسى
كتاب أحكام القرآن ج23 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج23 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج23 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج23 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج23 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج23 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج23 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج23 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج23 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج23 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج23 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج23 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج23 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج23 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج23 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج23 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج23 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج23 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج23 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج23 Uo_ouu10

 

 كتاب أحكام القرآن ج23

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
mousa
.
.
mousa


مصر
عدد المساهمات : 6914

كتاب أحكام القرآن ج23 Empty
مُساهمةموضوع: كتاب أحكام القرآن ج23   كتاب أحكام القرآن ج23 I_icon_minitimeالإثنين أغسطس 01, 2011 5:56 am

الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } : فِيهَا مَسْأَلَتَانِ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى أَمَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِعِبَادَتِهِ ، وَهِيَ أَدَاءُ الطَّاعَةِ لَهُ بِصِفَةِ الْقُرْبَةِ ، وَذَلِكَ بِإِخْلَاصِ النِّيَّةِ بِتَجْرِيدِ الْعَمَلِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا لِوَجْهِهِ ، وَذَلِكَ هُوَ الْإِخْلَاصُ الَّذِي تَقَدَّمَ بَيَانُهُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إذَا ثَبَتَ هَذَا فَالنِّيَّةُ وَاجِبَةٌ فِي التَّوْحِيدِ ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ ؛ فَدَخَلَتْ تَحْتَ هَذَا الْعُمُومِ دُخُولَ الصَّلَاةِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ خَرَجَتْ عَنْهُ طَهَارَةُ النَّجَاسَةِ ، وَذَلِكَ يَعْتَرِضُ عَلَيْكُمْ فِي الْوُضُوءِ ؟ قُلْنَا : إزَالَةُ النَّجَاسَةِ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا إزَالَةُ الْعَيْنِ ، لَكِنْ بِمُزِيلٍ مَخْصُوصٍ ، فَقَدْ جَمَعَتْ عَقْلَ الْمَعْنَى وَضَرْبًا مِنْ التَّعَبُّدِ ، كَالْعِدَّةِ جَمَعَتْ بَيْنَ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَالتَّعَبُّدِ ، حَتَّى صَارَتْ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالْيَائِسَةِ الَّتِي تُحَقِّقُ بَرَاءَةَ رَحِمِهِمَا قَطْعًا ، لَا سِيَّمَا وَمَا غَرَضٌ نَاجِزٌ ؛ وَهُوَ النَّظَافَةُ ؛ فَيَسْتَقِلُّ بِهِ ، وَلَيْسَ فِي الْوُضُوءِ [ غَرَضٌ نَاجِزٌ ] إلَّا مُجَرَّدُ التَّعَبُّدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَكْمَلَ الْوُضُوءَ وَأَعْضَاؤُهُ تَجْرِي بِالْمَاءِ وَخَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ بَطَلَ وُضُوءُهُ ، وَقَدْ حَقَّقْنَا الْقَوْلَ فِيهَا فِي كِتَابِ تَخْلِيصِ التَّلْخِيصِ .
سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : [ إنَّهَا مَكِّيَّةٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ ] : إنَّهَا مَدَنِيَّةٌ : وَفَضْلُهَا كَثِيرٌ ، وَتَحْتَوِي عَلَى عَظِيمٍ ؛ قَالَ إبْرَاهِيمُ التَّمِيمِيُّ : لَقَدْ أَدْرَكْت سَبْعِينَ شَيْخًا فِي مَسْجِدِنَا هَذَا ، أَصْغَرُهُمْ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد ، وَسَمِعْته يَقْرَأُ : { إذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ } ، حَتَّى إذَا بَلَغَ إلَى قَوْلِهِ : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } بَكَى ثُمَّ قَالَ : إنَّ هَذِهِ لَإِحْكَامٌ شَدِيدٌ .
وَلَقَدْ رَوَى الْعُلَمَاءُ الْأَثْبَاتُ أَنَّ { هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ ؛ فَأَمْسَكَ ؛ فَقَالَ ؛ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ أَوَإِنَّا لَنَرَى مَا عَمِلْنَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ ؟ قَالَ : أَرَأَيْت مَا تَكْرَهُ فَهُوَ مَثَاقِيلُ ذَرِّ الشَّرِّ ، وَيَدَّخِرُ لَكُمْ مَثَاقِيلَ ذَرِّ الْخَيْرِ حَتَّى تُعْطَوْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
قَالَ أَبُو إدْرِيسَ : إنَّ مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ : { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبْتِ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } .
وَرَوَى الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ رَجُلًا إلَى رَجُلٍ يُعَلِّمُهُ حَتَّى إذَا بَلَغَ : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } قَالَ : حَسْبِي .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : دَعُوهُ ، فَإِنَّهُ قَدْ فَقِهَ } .
وَرَوَى كَعْبُ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ قَالَ : لَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ آيَتَيْنِ أَحْصَتَا مَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ أَلَا تَجِدُونَ : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } قَالَ جُلَسَاؤُهُ : بَلَى .
قَالَ : فَإِنَّهُمَا قَدْ أَحْصَتَا مَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ .
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْخَيْلُ
ثَلَاثَةٌ : لِرَجُلٍ أَجْرٌ ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ } وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى قَوْلِهِ : { فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحُمُرِ ، فَقَالَ : مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } } .
وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ الْقَائِلُونَ بِالْعُمُومِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ ، وَقَدْ بَيَّنَ مَا فَسَّرْنَا بِهِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الدُّنْيَا بِالْبَلَاءِ كَمَا تَكُونُ فِي الْآخِرَةِ بِالْجَزَاءِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمُشْكِلَيْنِ .
قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ سَرَدْنَا مِنْ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مَا سَرَدْنَا ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ ، وَمِنْ تَمَامِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْحُمُرِ ، وَسَكَتَ عَنْ الْبِغَالِ ، وَالْجَوَابُ فِيهِمَا وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ الْبَغْلَ وَالْحِمَارَ لَا كَرَّ فِيهِمَا وَلَا فَرَّ .
فَلَمَّا ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِي الْخَيْلِ مِنْ الْأَجْرِ الدَّائِمِ وَالثَّوَابِ الْمُسْتَمِرِّ سَأَلَ السَّائِلُ عَنْ الْحُمُرِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ يَوْمَئِذٍ بَغْلٌ ، وَلَا دَخَلَ الْحِجَازَ مِنْهَا [ شَيْءٌ ] إلَّا بَغْلَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ الدُّلْدُلُ ] الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقَسُ ، فَأَفْتَاهُ فِي الْحَمِيرِ بِعُمُومِ الْآيَةِ ، وَإِنَّ فِي الْحِمَارِ مَثَاقِيلَ ذَرٍّ كَثِيرَةً .
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَجْهَ هَذَا الدَّلِيلِ وَنَوْعَهُ ، وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ أَوْ غَيْرِهِ وَتَحْقِيقُهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ .
سُورَةُ الْعَادِيَاتِ أَقْسَمَ اللَّهُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ { يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ } .
وَأَقْسَمَ بِحَيَاتِهِ ، فَقَالَ : { لَعَمْرُكَ إنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } .
وَأَقْسَمَ بِخَيْلِهِ وَصَهِيلِهَا وَغُبَارِهَا وَقَدْحِ حَوَافِرِهَا الدَّارِّ مِنْ الْحَجَرِ ، فَقَالَ : { وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا } الْآيَاتُ الْخَمْسُ .
وَالْمُقْسَمُ عَلَيْهِ : { إنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } .
{ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } وَهُوَ الْمَالُ .
وَقَدْ تَبَيَّنَ فِيمَا تَقَدَّمَ [ حَالُ الْمَالِ ] فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، وَالنَّفْعِ وَالضُّرِّ ، وَالْفَائِدَةِ وَالْخَيْبَةِ .
سُورَةُ التَّكَاثُرِ [ فِيهَا آيَتَانِ ] الْآيَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى : { أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ } : فِيهَا مَسْأَلَتَانِ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : إنَّهَا مَكِّيَّةٌ ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ .
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيًا مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَادِيَانِ ، وَلَنْ يَمْلَأَ فَاهُ إلَّا التُّرَابُ .
وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ } .
فَقَالَ ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أُبَيٍّ قَالَ : كُنَّا نَرَى هَذَا مِنْ الْقُرْآنِ حَتَّى نَزَلَتْ { أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ } .
وَهَذَا نَصٌّ صَحِيحٌ مَلِيحٌ غَابَ عَنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ، فَجَهِلُوا وَجَهَّلُوا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَدْ كُنَّا أَمْلَيْنَا فِيهَا مِائَةً وَثَمَانِينَ مَجْلِسًا ، وَذَكَرْنَا أُنْمُوذَجَهَا فِي قَانُونِ التَّأْوِيلِ فَلْيُنْظَرْ فِيهِ ، فَهُوَ مَدْخَلٌ عَظِيمٌ .
الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ } .
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي النَّعِيمِ أَقْوَالًا كَثِيرَةً ، لُبَابُهَا خَمْسَةٌ : الْأُولَى : الْأَمْنُ وَالصِّحَّةُ .
الثَّانِي : السَّلَامَةُ .
الثَّالِثُ : لَذَّةُ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ ؛ قَالَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ .
الرَّابِعُ : الْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ .
الْخَامِسُ : شِبَعُ الْبَطْنِ ، وَشُرْبُ الْمَاءِ الْبَارِدِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ تَحْقِيقُ النَّعِيمِ مِنْ النِّعَمِ ، وَبِنَاءُ ( نَ عَ مَ ) لِلْمُوَافَقَةِ ، وَأَعْظَمُهَا مُوَافَقَةً مَا قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَةِ كَادِحِ بْنِ رَحْمَةَ أَنَّهُ صِحَّةُ الْبَدَن وَطِيبُ النَّفْسِ ، وَقَدْ أَخَذَهُ الشَّاعِرُ ، فَقَالَ : إذَا الْقُوتُ يَأْتِي لَك وَالصِّحَّةُ وَالْأَمْنُ وَأَصْبَحْت أَخَا حُزْنٍ فَلَا فَارَقَك الْحُزْنُ وَقَدْ كَانَ هَذَا يَتَأَتَّى قَبْلَ الْيَوْمِ ، فَأَمَّا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّهُ عَسِيرُ التَّكْوِينِ ، وَقَلِيلُ الْوُجُودِ .
وَيَرَى [ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ ] أَنَّ مَالِكًا أَخَذَهُ مِنْ حِكَمِ لُقْمَانَ ؛ فَفِيهَا أَنَّ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ قَالَ لِابْنِهِ : لَيْسَ غِنًى كَصِحَّةٍ ، وَلَا نَعِيمٌ كَطِيبِ نَفْسٍ .
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ ، عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَالَ : { لَمَّا نَزَلَتْ : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ } قَالَ الزُّبَيْرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ أَيِّ نَعِيمٍ نُسْأَلُ ، وَإِنَّمَا هُمَا الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ ؟ قَالَ : أَمَا إنَّهُ سَيَكُونُ } .
وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : { لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ } قَالَ النَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ عَنْ أَيِّ النَّعِيمِ نُسْأَلُ ؟ فَإِنَّمَا هُمَا الْأَسْوَدَانِ ؛ وَالْعَدُوُّ حَاضِرٌ ، وَسُيُوفُنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا ؟ قَالَ : أَمَا إنَّهُ سَيَكُونُ } .
قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّورَةَ مَدَنِيَّةٌ ، نَزَلَتْ بَعْدَ شَرْعِ الْقِتَالِ .
وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ : بَلَغَنِي { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ ، فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَا : أَخْرَجَنَا الْجُوعُ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَأَنَا أَخْرَجَنِي الْجُوعُ ؛ فَذَهَبُوا إلَى أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيْهَانِ ، فَأَمَرَ لَهُمْ بِشَعِيرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِلَ ، وَقَامَ فَذَبَحَ لَهُمْ شَاةً ، وَاسْتَعْذَبَ لَهُمْ مَاءً ، فَعُلِّقَ فِي نَخْلَةٍ ، ثُمَّ أُتُوا بِذَلِكَ الطَّعَامِ ، فَأَكَلُوا مِنْهُ ، وَشَرِبُوا
مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ نَعِيمِ هَذَا الْيَوْمِ } .
قَالَ الْقَاضِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَالْحَدِيثُ مُسْنَدٌ مَشْهُورٌ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا ، وَهَذَا نَعِيمُ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ ، وَأَصْلُهُ الَّذِي لَا تَنَعُّمَ فِيهِ جِلْفُ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ ، { وَحَسْبُ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ } ، هَكَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَدْ يَكُونُ النَّعِيمُ فِي الْخَادِمِ كَمَا حَدَّثَ الْهُجَيْعُ بْنُ قَيْسٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ : مَا يَكْفِي ابْنَ آدَمَ مِنْ الدُّنْيَا ؟ قَالَ : مَا أَشْبَعَ جَوْعَتَك ، وَسَتَرَ عَوْرَتَك ؛ فَمَنْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ فَهُنَاكَ النَّعِيمُ ، فَهُنَاكَ النَّعِيمُ } .
وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ : أَلَمْ أَصِحَّ جِسْمَك ؟ أَلَمْ أَرْوِك مِنْ الْمَاءِ الْبَارِدِ } .
خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ : إنَّ { أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التَّيْهَانِ قَالَ : إنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ ، فَعَمَدَ نَحْوَهُ ، فَوَقَفَ فَسَلَّمَ فَرَدَّ عُمَرُ عَلَيْهِ السَّلَامَ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ : مَا أَخْرَجَك هَذِهِ السَّاعَةَ ؟ قَالَ : وَأَنْتَ مَا أَخْرَجَك هَذِهِ السَّاعَةَ ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا سَأَلْت قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَنِي .
قَالَ : أَخْرَجَنِي الْجُوعُ .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَأَنَا أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَك .
فَجَلَسَا يَتَحَدَّثَانِ ، فَطَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَمَدَ نَحْوَهُمَا حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمَا ، فَسَلَّمَ فَرَدَّا عَلَيْهِ السَّلَامَ فَقَالَ : مَا أَخْرَجَكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ ؟ فَنَظَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ لَيْسَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ إلَّا يَكْرَهُ أَنْ يُخْبِرَهُ .
فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ : خَرَجَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَخَرَجْت بَعْدَهُ ، فَسَأَلْته مَا أَخْرَجَك هَذِهِ السَّاعَةَ ؟ قَالَ : بَلْ أَنْتَ مَا أَخْرَجَك هَذِهِ السَّاعَةَ ؟ فَقُلْت : أَنَا سَأَلْتُك قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَنِي .
قَالَ : أَخْرَجَنِي الْجُوعُ .
قَالَ : فَقُلْت لَهُ : أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَك .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَأَنَا أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا .
قَالَ : ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَعْلَمَانِ مِنْ أَحَدٍ نُضِيفُهُ الْيَوْمَ ؟ قَالَا : نَعَمْ ، أَبُو الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيْهَانِ حَرِيٌّ إنْ جِئْنَاهُ أَنْ نَجِدَ عِنْدَهُ فَضْلًا مِنْ تَمْرٍ يُعَالِجُ جِنَانَهُ هُوَ وَامْرَأَتُهُ لَا يَبِيعَانِ مِنْهُ شَيْئًا .
قَالَ : فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ حَتَّى دَخَلُوا الْحَائِطَ ، فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَمِعَتْ أُمُّ الْهَيْثَمِ تَسْلِيمَهُ فَفَدَتْهُ بِالْأَبِ وَالْأُمِّ ، وَأَخْرَجَتْ حِلْسًا لَهَا مِنْ شَعْرٍ ، فَطَرَحَتْهُ ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ أَبُو الْهَيْثَمِ ؟ قَالَتْ : ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنْ الْمَاءِ .
قَالَ : فَطَلَعَ أَبُو الْهَيْثَمِ بِالْقِرْبَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ النَّخْلِ أَسْنَدَهَا إلَى جِذْعٍ ، وَأَقْبَلَ يَفْدِي بِالْأَبِ وَالْأُمِّ ، فَلَمَّا رَأَى وُجُوهَهُمْ عَرَفَ الَّذِي بِهِمْ .
فَقَالَ لِأُمِّ الْهَيْثَمِ : هَلْ أَطْعَمْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ شَيْئًا ؟ فَقَالَتْ : إنَّمَا جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّاعَةَ .
قَالَ : فَمَا عِنْدَك ؟ قَالَتْ : عِنْدِي حَبَّاتٌ مِنْ شَعِيرٍ .
قَالَ : كَرْكِرِيهَا وَاعْجِنِي ، وَاخْبِزِي ، إذْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ الْخَمِيرَ .
وَأَخَذَ شَفْرَةً ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إيَّاكَ وَذَوَاتِ الدَّرِّ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّمَا أُرِيدُ عَنَاقًا فِي الْغَنَمِ .
قَالَ : فَذَبَحَ ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ بِذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ قَالَ : فَشَبِعُوا شِبْعَةً لَا عَهْدَ لَهُمْ بِمِثْلِهَا ، فَمَا مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا يَسِيرًا ، حَتَّى أُتِيَ بِأَسِيرٍ مِنْ الْيَمَنِ ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْكُو إلَيْهِ الْعَمَلَ وَتُرْبَةَ يَدِهَا ، وَتَسْأَلُهُ إيَّاهُ .
قَالَ : لَا ، وَلَكِنْ أَعْطِيهِ أَبَا الْهَيْثَمِ ، فَقَدْ رَأَيْت مَا لَقِيَهُ هُوَ وَمِرْيَتُهُ يَوْمَ ضِفْنَاهُمْ .
قَالَ : فَأَرْسَلَ إلَيْهِ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ ، فَقَالَ : خُذْ هَذَا الْغُلَامَ يُعِينُك عَلَى حَائِطِك ، وَاسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا .
قَالَ : فَمَكَثَ الْغُلَامُ عِنْدَ أَبِي الْهَيْثَمِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا غُلَامُ ، لَقَدْ كُنْت مُسْتَقِلًّا وَأَنَا وَصَاحِبَتِي بِحَائِطِنَا ، اذْهَبْ ، فَلَا رَبَّ لَك إلَّا اللَّهُ .
قَالَ : فَخَرَجَ الْغُلَامُ إلَى الشَّامِ } .
وَرَوَى { عِكْرَاشُ بْنُ ذُؤَيْبٍ : قَالَ بَعَثَنِي بَنُو مُرَّةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِصَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِمْت عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ ، فَوَجَدْته جَالِسًا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ قَالَ : ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقَ بِي إلَى بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ ، فَقَالَ : هَلْ مِنْ طَعَامٍ ؟ فَأَتَيْنَا بِجَفْنَةٍ كَثِيرَةِ الثَّرِيدِ وَالْوَدَكِ ، وَأَقْبَلْنَا نَأْكُلُ مِنْهَا ، فَخَبَطْت بِيَدِي فِي نَوَاحِيهَا ، وَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ، فَقَبَضَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى يَدِي الْيُمْنَى ، ثُمَّ قَالَ : يَا عِكْرَاشُ ؛ كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ، فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ .
ثُمَّ أُتِينَا بِطَبَقٍ فِيهِ أَلْوَانُ الرُّطَبِ ؛ أَوْ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ شَكٌّ قَالَ : فَجَعَلْت آكُلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ ، وَجَالَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّبَقِ وَقَالَ : يَا عِكْرَاشُ ؛ كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْت ،
فَإِنَّهُ مِنْ غَيْرِ لَوْنٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ أُتِينَا بِمَاءٍ ، فَغَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ ، وَمَسَحَ بِبَلَلِ يَدَيْهِ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَرَأْسَهُ ، وَقَالَ : يَا عِكْرَاشُ ؛ هَذَا الْوُضُوءُ مِمَّا غَيَّرَتْ النَّارُ } .
وَقَالَ الْقَاضِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَوَسَّعَ فِي الطَّعَامِ وَيَتَلَذَّذَ ، وَيُسَمِّيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَحْمَدَهُ ، وَلَا يَصْرِفَ قُوَّتَهُ الْمُسْتَفَادَةَ بِذَلِكَ فِي مَعْصِيَتِهِ ، فَإِنْ سُئِلَ وَجَذَبَتْهُ سَعَادَتُهُ فَسَيُوَفَّقُ لِلْجَوَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ .
سُورَةُ الْعَصْرِ [ فِيهَا آيَةٌ وَاحِدَةٌ ] وَهِيَ قَوْله تَعَالَى : { وَالْعَصْرِ } : قَالَ مَالِكٌ : مَنْ حَلَفَ أَلَّا يُكَلِّمَ رَجُلًا عَصْرًا لَمْ يُكَلِّمْهُ سَنَةً ، وَلَوْ حَلَفَ أَلَّا يُكَلِّمَهُ الْعَصْرَ لَمْ يُكَلِّمْهُ أَبَدًا ؛ لِأَنَّ الْعَصْرَ هُوَ الدَّهْرُ .
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : بِنَاءُ ( ع ص ر ) يَنْطَلِقُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمَعَانِي ، فَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالزَّمَانِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : الْعَصْرُ الدَّهْرُ .
الثَّانِي : اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ .
[ قَالَ الشَّاعِرُ : وَلَنْ يَلْبَثَ الْعَصْرَانِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ إذَا طَلَبَا أَنْ يُدْرِكَا مَا تَيَمَّمَا الثَّالِثُ الْعَصْرُ : الْغَدَاةُ وَالْعَشِيُّ .
قَالَ الشَّاعِرُ : وَأَمْطُلُهُ الْعَصْرَيْنِ حَتَّى يَمَلَّنِي وَيَرْضَى بِنِصْفِ الدَّيْنِ وَالْأَنْفُ رَاغِمٌ وَقَدْ قِيلَ : إنَّ الْعَصْرَ مِثْلُ الدَّهْرِ ] ؛ قَالَ الشَّاعِرُ : سَبِيلُ الْهَوَى وَعْرٌ وَبَحْرُ الْهَوَى غَمْرٌ وَيَوْمُ الْهَوَى شَهْرٌ وَشَهْرُ الْهَوَى دَهْرٌ يُرِيدُ عَامًا .
الرَّابِعُ أَنَّ الْعَصْرَ [ سَاعَةٌ مِنْ ] سَاعَاتِ النَّهَارِ قَالَهُ مُطَرِّفٌ ، وَقَتَادَةُ .
قَالَ الْقَاضِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إنَّمَا حَمَلَ مَالِكٌ يَمِينَ الْحَالِفِ أَلَّا يُكَلِّمَ امْرَأً عَصْرًا عَلَى السَّنَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا قِيلَ فِيهِ ، وَذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ فِي تَغْلِيظِ الْمَعْنَى فِي الْأَيْمَانِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُبَرُّ بِسَاعَةٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ ؛ وَبِهِ أَقُولُ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ عَرَبِيًّا ، فَيُقَالُ لَهُ : مَا أَرَدْت ؟ فَإِذَا فَسَّرَهُ بِمَا يُحْتَمَلُ قُبِلَ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ الْأَقَلَّ ، وَيَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا يُفَسِّرُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
سُورَةُ الْفِيلِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ : وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ .
[ وَقَالَ قَيْسُ بْنُ مَخْرَمَةَ : وُلِدْت أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ ] .
وَقَدْ رَوَى النَّاسُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : لَيْسَ مِنْ مُرُوءَةِ الرَّجُلِ أَنْ يُخْبِرَ بِسِنِّهِ ؛ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ صَغِيرًا اسْتَحْقَرُوهُ ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا اسْتَهْرَمُوهُ .
وَهَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ مَالِكًا لَا يُخْبِرُ بِسِنِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكْتُمُ سِنَّهُ ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْعُلَمَاءِ قُدْوَةً بِهِ ؛ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُخْبِرَ الْإِنْسَانُ بِسِنِّهِ ، كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا .
قِيلَ لِبَعْضِ الْقُضَاةِ : كَمْ سِنُّك ؟ قَالَ : سِنُّ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ حِينَ وَلَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ ، وَكَانَتْ سِنُّهُ يَوْمَئِذٍ دُونَ الْعِشْرِينَ .
سُورَةُ قُرَيْشٍ [ فِيهَا آيَةٌ وَاحِدَةٌ ] وَهِيَ قَوْله تَعَالَى : { إيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ } : فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَوْلُهُ { إيلَافِ } وَهُوَ مَصْدَرُ أَلِفَ يَأْلَفُ عَلَى غَيْرِ الْمَصْدَرِ ، وَقِيلَ : آلَفَ يُؤَالِفُ ؛ قَالَهُ الْخَلِيلُ ، وَإِيلَافِهِمْ هَذَا يَدُلُّ مِنْ الْأَوَّلِ عَلَى مَعْنَى الْبَيَانِ .
وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِمَا بَعْدَهُ ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : { فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ } ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْمُلْجِئَةِ ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالسُّورَةِ الْأُخْرَى ، وَقَدْ قُطِعَ عَنْهُ بِكَلَامٍ مُبْتَدَإٍ وَاسْتِئْنَافِ بَيَانٍ ، وَسَطْرٍ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [ فَقَدْ تَبَيَّنَ ] وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ جَوَازُ الْوَقْفِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ تَمَامِ الْكَلَامِ ، وَلَيْسَتْ الْمَوَاقِفُ الَّتِي تَنْزِعُ بِهَا الْقُرَّاءُ شَرْعًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْوِيًّا ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا بِهِ تَعْلِيمَ الطَّلَبَةِ الْمَعَانِيَ ، فَإِذَا عَلِمُوهَا وَقَفُوا حَيْثُ شَاءُوا ؛ فَأَمَّا الْوَقْفُ عِنْدَ انْقِطَاعِ النَّفَسِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ ، وَلَا تَعُدَّ مَا قَبْلَهُ إذَا اعْتَرَاك ذَلِكَ ، وَلَكِنْ ابْدَأْ مِنْ حَيْثُ وَقَفَ بِك نَفَسُك ، [ هَذَا رَأْيِي فِيهِ ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى مَا قَالُوهُ بِحَالٍ ، وَلَكِنِّي أَعْتَمِدُ الْوَقْفَ عَلَى ] التَّمَامِ ، كَرَاهِيَةَ الْخُرُوجِ عَنْهُمْ ، وَأَطْرُقُ الْقَوْلَ مِنْ عِيٍّ .
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَةُ قَالَ مَالِكٌ : الشِّتَاءُ نِصْفُ السَّنَةِ ، وَالصَّيْفُ نِصْفُهَا .
وَلَمْ أَزَلْ أَرَى رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَنْ مَعَهُ لَا يَخْلَعُونَ عَمَائِمَهُمْ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا ، وَهُوَ يَوْمُ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ بَشَنْسَ ، وَهُوَ يَوْمُ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ عَدَدِ الرُّومِ أَوْ الْفُرْسِ ، وَأَرَادَ بِطُلُوعِ الثُّرَيَّا أَنْ يَخْرُجَ السُّعَاةُ وَتَسِيرَ النَّاسُ بِمَوَاشِيهِمْ إلَى مِيَاهِهِمْ .
وَأَنَّ طُلُوعَ الثُّرَيَّا قُبُلُ الصَّيْفِ وَدُبُرُ الشِّتَاءِ ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ عَنْهُ .
وَقَالَ أَشْهَبُ عَنْهُ وَحْدَهُ : إذَا سَقَطَتْ الْهَقْعَةُ نَقَصَ اللَّيْلُ ، فَلَمَّا جَعَلَ طُلُوعَ الثُّرَيَّا أَوَّلَ الصَّيْفِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَطْرُ السَّنَةِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلَ الشِّتَاءَ مِنْ بَعْدِ ذَهَابِ الصَّيْفِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ .
وَقَدْ سُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَمَّنْ حَلَفَ أَلَّا يُكَلِّمَ امْرَأً حَتَّى يَدْخُلَ الشِّتَاءُ .
فَقَالَ : لَا يُكَلِّمُهُ حَتَّى يَمْضِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ هَاتُورَ .
وَلَوْ قَالَ : حَتَّى يَدْخُلَ الصَّيْفُ لَمْ يُكَلِّمْهُ حَتَّى يَمْضِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ بَشَنْسَ ؛ فَهُوَ سَهْوٌ ؛ إنَّمَا هُوَ تِسْعَةَ عَشَرَ مِنْ بَشَنْسَ ؛ لِأَنَّك إذَا حَسَبْت الْمَنَازِلَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ ثَلَاثَ عَشْرَ لَيْلَةً كُلَّ مَنْزِلَةٍ ، عَلِمْت أَنَّ مَا بَيْنَ تِسْعَ عَشْرَةَ مِنْ هَاتُورَ لَا تَنْقَضِي مَنَازِلُهُ إلَّا بِتِسْعَ عَشْرَةَ مِنْ بَشَنْسَ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَالَ قَوْمٌ : الزَّمَانُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ : شِتَاءٌ [ وَرَبِيعٌ ، وَصَيْفٌ ، وَخَرِيفٌ .
وَقَالَ قَوْمٌ : هُوَ شِتَاءٌ ] وَصَيْفٌ ، وَقَيْظٌ ، وَخَرِيفٌ .
وَاَلَّذِي قَالَ مَالِكٌ أَصَحُّ لِأَجْلِ قِسْمَةِ اللَّهِ الزَّمَانَ قِسْمَيْنِ ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمَا ثَالِثًا .
وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ لَمَّا امْتَنَّ اللَّهُ عَلَى قُرَيْشٍ بِرِحْلَتَيْنِ : [ رِحْلَةِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ؛ رِحْلَةُ الشِّتَاءِ ] إلَى الْيَمَنِ ؛ لِأَنَّهَا بِلَادٌ حَامِيَةٌ ، وَرِحْلَةُ الصَّيْفِ إلَى الشَّامِ ؛ لِأَنَّهَا بِلَادٌ بَارِدَةٌ ، وَقِيلَ بِتَنَقُّلِهَا بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ إلَى مَكَّةَ وَالطَّائِفِ كَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ تَصَرُّفِ الرَّجُلِ فِي الزَّمَانَيْنِ بَيْنَ مَحَلَّيْنِ يَكُونُ حَالُهُمَا فِي كُلِّ زَمَانٍ أَنْعَمَ مِنْ الْآخَرِ ، كَالْجُلُوسِ فِي الْمَجْلِسِ الْبَحْرِيِّ فِي الصَّيْفِ ، وَفِي الْقِبْلِيِّ فِي الشِّتَاءِ ، وَفِي اتِّخَاذِ البادهنجات وَالْخَيْشِ لِلتَّبْرِيدِ ، وَاللِّبَدِ وَالْيَانُوسَةِ لِلدِّفْءِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
سُورَةُ الْمَاعُونِ [ فِيهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ ] الْآيَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } : فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ النِّسْيَانَ هُوَ التَّرْكُ ، وَقَدْ يَكُونَ بِقَصْدٍ ، وَقَدْ يَكُونَ بِغَيْرِ قَصْدٍ ؛ فَإِنْ كَانَ بِقَصْدٍ فَاسْمُهُ الْعَمْدُ ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَاسْمُهُ السَّهْوُ ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَكْلِيفٌ وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَإِنَّ تَكْلِيفَ السَّاهِي مُحَالٌ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَعْقِلُ الْخِطَابَ كَيْفَ يُخَاطَبُ ؟ فَإِنْ قَالَ : فَكَيْفَ ذَمَّ مَنْ لَا يَعْقِلُ الذَّمَّ ؛ أَوْ كَلَّفَ مَنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّكْلِيفُ ؟ قُلْنَا : إنَّمَا ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدِهِمَا أَنْ يَعْقِدَ نِيَّتَهُ عَلَى تَرْكِهَا ، فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الذَّمُّ إذَا جَاءَ الْوَقْتُ .
وَإِنْ كَانَ حِينَئِذٍ غَافِلًا أَوْ لِمَنْ يَكُونُ التَّرْكُ لَهَا عَادَتَهُ ، فَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الذَّمُّ دَائِمًا ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ يَسْهُو فِي صَلَاتِهِ وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ لِأَنَّ السَّلَامَةَ عَنْ السَّهْوِ مُحَالٌ فَلَا تَكْلِيفَ .
وَقَدْ سَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ وَالصَّحَابَةُ ، وَكُلُّ مَنْ لَا يَسْهُو فِي صَلَاتِهِ فَذَلِكَ رَجُلٌ لَا يَتَدَبَّرُهَا وَلَا يَعْقِلُ قِرَاءَتَهَا ، وَإِنَّمَا هَمُّهُ فِي إعْدَادِهَا وَهَذَا رَجُلٌ يَأْكُلُ الْقُشُورَ وَيَرْمِي اللُّبَّ ، وَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْهُو فِي صَلَاتِهِ إلَّا لِفِكْرَتِهِ فِي أَعْظَمَ مِنْهَا ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَسْهُو فِي صَلَاتِهِ مَنْ يُقْبِلُ عَلَى وَسْوَاسِ الشَّيْطَانِ إذَا قَالَ لَهُ : اُذْكُرْ كَذَا [ لَمَّا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُهُ ] حَتَّى يُضِلَّ الرَّجُلَ أَنْ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى .
الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } .
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : قَالَ مَالِكٌ : هُمْ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يُرَاءُونَ بِصَلَاتِهِمْ ؛ يُرِي الْمُنَافِقُ النَّاسَ أَنَّهُ يُصَلِّي طَاعَةً وَهُوَ يُصَلِّي تَقِيَّةً ، وَالْفَاسِقُ أَنَّهُ يُصَلِّي عِبَادَةً وَهُوَ يُصَلِّي لِيُقَالَ إنَّهُ يُصَلِّي .
وَحَقِيقَةُ الرِّيَاءِ طَلَبُ مَا فِي الدُّنْيَا بِالْعِبَادَاتِ ، وَأَصْلُهُ طَلَبُ الْمَنْزِلَةِ فِي قُلُوبِ النَّاسِ ؛ فَأَوَّلُهَا تَحْسِينُ السَّمْتِ ؛ وَهُوَ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ ، وَيُرِيدُ بِذَلِكَ الْجَاهَ وَالثَّنَاءَ .
ثَانِيهِمَا الرِّيَاءُ بِالثِّيَابِ الْقِصَارِ وَالْخَشِنَةِ ، لِيَأْخُذَ بِذَلِكَ هَيْئَةَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا .
ثَالِثُهُمَا الرِّيَاءُ بِالْقَوْلِ بِإِظْهَارِ التَّسَخُّطِ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا ، وَإِظْهَارِ الْوَعْظِ وَالتَّأَسُّفِ عَلَى مَا يَفُوتُ مِنْ الْخَيْرِ وَالطَّاعَةِ .
رَابِعُهُمَا الرِّيَاءُ بِإِظْهَارِ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ ، أَوْ بِتَحْسِينِ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ رُؤْيَةِ النَّاسِ ، وَذَلِكَ يَطُولُ ؛ وَهَذَا دَلِيلُهُ .
الْآيَةُ الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى : { وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } : فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي تَحْقِيقِ الْكَلِمَةِ : الْمَاعُونَ : مَفْعُولٌ مِنْ أَعَانَ يُعِينُ ، وَالْعَوْنُ هُوَ الْإِمْدَادُ بِالْقُوَّةِ وَالْآلَةِ وَالْأَسْبَابِ الْمُيَسِّرَةِ لِلْأَمْرِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ ، وَذَلِكَ سِتَّةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : قَالَ مَالِكٌ : هِيَ الزَّكَاةُ ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُنَافِقُ يَمْنَعُهَا .
وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى : { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } قَالَ : إنَّ الْمُنَافِقَ إذَا صَلَّى صَلَّى لَا لِلَّهِ ، بَلْ رِيَاءً ، وَإِنْ فَاتَتْهُ لَمْ يَنْدَمْ عَلَيْهَا ؛ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ : الزَّكَاةَ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ : لَوْ خُفِّفَتْ لَهُمْ الصَّلَاةُ كَمَا خُفِّفَتْ لَهُمْ الزَّكَاةُ مَا صَلَّوْهَا .
الثَّانِي : قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : الْمَاعُونُ الْمَالُ .
الثَّالِثُ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ مَا يَتَعَاطَاهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ .
الرَّابِعُ هُوَ الْقِدْرُ وَالدَّلْوُ وَالْفَأْسُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ الْخَامِسُ هُوَ الْمَاءُ وَالْكَلَأُ .
السَّادِسُ هُوَ الْمَاءُ وَحْدَهُ ، وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ : يَمُجُّ صَبِيرُهُ الْمَاعُونَ صَبًّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ لَمَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَاعُونَ مِنْ الْعَوْنِ كَانَ كُلُّ مَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي تَفْسِيرِهِ عَوْنًا ، وَأَعْظَمُهُ الزَّكَاةُ إلَى الْمِحْلَابِ ، وَعَلَى قَدْرِ الْمَاعُونِ وَالْحَاجَةِ إلَيْهِ يَكُونُ الذَّمُّ فِي مَنْعِهِ ، إلَّا أَنَّ الذَّمَّ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْعِ الْوَاجِبِ ، وَالْعَارِيَّةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَى التَّفْصِيلِ ؛ بَلْ إنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ؛ لِأَنَّ الْوَيْلَ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَنْ مَنَعَ الْوَاجِبَ ، فَاعْلَمُوهُ وَتَحَقَّقُوهُ .
سُورَةُ الْكَوْثَرِ [ فِيهَا آيَتَانِ ] الْآيَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى : { إنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } : ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ { أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { إنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } } .
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَيْسَتْ آيَةً مِنْ الْفَاتِحَةِ وَلَا مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ ، وَإِنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ النَّمْلِ قَوْلُهُ : { إنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَائْتُونِي مُسْلِمِينَ } بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ هَاهُنَا ، وَاسْتَوْفَيْنَاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ مِنْ التَّلْخِيصِ وَالْإِنْصَافِ .
الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى : { فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ } فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى : { فَصَلِّ } فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلِ اُعْبُدْ .
الثَّانِي : صَلِّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ .
الثَّالِثِ : صَلِّ يَوْمَ الْعِيدِ .
الرَّابِعِ : صَلِّ الصُّبْحَ بِجَمْعٍ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ : { وَانْحَرْ } فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا اجْعَلْ يَدَك عَلَى نَحْرِك إذَا صَلَّيْت .
الثَّانِي : انْحَرْ الْبُدْنَ وَالضَّحَايَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي تَحْقِيقِ الْمُرَادِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لِهَذِهِ الْآيَةِ : أَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهَا الْعِبَادَةُ فَاحْتَجَّ بِأَنَّهَا أَصْلُ الصَّلَاةِ لُغَةً وَحَقِيقَةً عَلَى كُلِّ مَعْنَى ، وَبِكُلِّ اشْتِقَاقٍ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَاعْبُدْ رَبَّك وَلَا تَعْبُدْ غَيْرَهُ ، وَانْحَرْ لَهُ وَلَا تَنْحَرْ لِسِوَاهُ مِنْ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ وَالْأَنْصَابِ حَسْبَمَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَرَبُ وَقُرَيْشٌ فِي جَاهِلِيَّتِهَا .
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَلِأَنَّهَا رُكْنُ الْعِبَادَاتِ ، وَقَاعِدَةُ الْإِسْلَامِ ، وَأَعْظَمُ دَعَائِمِ الدِّينِ .
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهَا صَلَاةُ الصُّبْحِ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَلِأَنَّهَا مَقْرُونَةٌ بِالنَّحْرِ ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَلَا صَلَاةَ فِيهِ قَبْلَ النَّحْرِ غَيْرَهَا ، فَخَصَّصَهَا مِنْ جُمْلَةِ الصَّلَوَاتِ لِاقْتِرَانِهَا بِالنَّحْرِ ، فَأَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ : مَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا .
وَاَلَّذِي يَقَعُ فِي نَفْسِي أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ صَلَاةُ الصُّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ وَالنَّحْرُ بَعْدَهَا .
قَالَ الْقَاضِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَدْ سَمِعْنَا فِيهِ أَشْيَاءَ ، وَرَوَيْنَا مَحَاسِنَ : قَالَ عَلِيٌّ : قَوْلُهُ : فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ .
قَالَ : ضَعْ يَدَك الْيُمْنَى عَلَى سَاعِدِك [ الْيُسْرَى ] ثُمَّ ضَعْهُمَا عَلَى نَحْرِك قَالَهُ [ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَقَالَهُ ] أَبُو الْجَوْزَاءِ .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ : قَوْلُهُ : { وَانْحَرْ } يَوْمَ النَّحْرِ .
وَقَالَ الْحَكَمُ : قَوْلُهُ : { لِرَبِّك وَانْحَرْ }
صَلَاةُ الْفَجْرِ وَالنَّحْرِ .
وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : الصَّلَاةُ الصَّلَاةُ ، النَّحْرُ النَّحْرُ .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : الصَّلَاةُ رَكْعَتَانِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى ثُمَّ اذْبَحْ .
وَقَالَ عَطَاءٌ : مَوْقِفُهُمْ بِجَمْعِ صَلَاتِهِمْ ، وَالنَّحْرُ النَّحْرُ .
قَالَ مُجَاهِدٌ : النَّحْرُ لَنَا وَالذَّبْحُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ .
وَقَالَ عَطَاءٌ : إنْ شَاءَ ذَبَحَ ، وَإِنْ شَاءَ نَحَرَ .
وَقَالَ عَطَاءٌ أَيْضًا : فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ : إذَا صَلَّيْت الصُّبْحَ فَانْحَرْ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ : إنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَرَ فَلَا تَكُنْ صَلَاتُك وَلَا نَحْرُك إلَّا لِلَّهِ .
وَرَوَى أَبُو مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ سَبَبَ هَذِهِ الْآيَةِ { يَوْمُ الْحُدَيْبِيَةِ ؛ أَتَاهُ جِبْرِيلُ ، فَقَالَ : انْحَرْ وَارْجِعْ .
فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَ خُطْبَةَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى ، ثُمَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْبُدْنِ فَنَحَرَهَا ؛ فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ : { فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ } } .
قَالَ قَتَادَةُ : صَلَاةُ الْأَضْحَى وَالنَّحْرُ نَحْرُ الْبُدْنِ .
فَهَذِهِ أَقْوَالُ أَقْرَانِ مَالِكٍ وَمُتَقَدِّمِيهِ فِيهَا كَثِيرٌ .
وَقَدْ تَرَكْنَا أَمْثَالَهَا .
وَاَلَّذِي أَرَادَ مَالِكٌ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الْأَقْرَانِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالنَّحْرِ ، وَلَا يَقْرُنَانِ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْقُرْآنِ ضَعِيفٌ فِي نَفْسِهِ مَا لَمْ يَعْتَضِدْ بِدَلِيلٍ مِنْ غَيْرِهِ .
وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ أَرَادَ : اُعْبُدْ رَبَّك وَانْحَرْ لَهُ ، وَلَا يَكُنْ عَمَلُك إلَّا لِمَنْ خَصَّك بِالْكَوْثَرِ ، وَبِالْحَرِيِّ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْعَمَلِ يُوَازِي هَذِهِ الْخَصِيصَةَ مِنْ الْكَوْثَرِ ، وَهُوَ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي أَعْطَاك اللَّهُ إيَّاهُ ، أَوْ النَّهْرُ الَّذِي طِينَتُهُ مِسْكٌ ، وَعَدَدُ آنِيَتِهِ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ ، أَمَّا أَنْ يُوَازِيَ هَذَا صَلَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ وَذَبْحَ كَبْشٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ بَدَنَةٍ فَذَلِكَ بَعِيدٌ فِي التَّقْدِيرِ

وَالتَّدْبِيرِ وَمُوَازَنَةِ الثَّوَابِ لِلْعِبَادِ .

إذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا بُدَّ أَنْ نَفْرُغَ عَلَى قَالَبِ الْقَوْلَيْنِ وَنَنْسِجَ عَلَى مِنْوَالِ الْفَرِيقَيْنِ ، فَنَقُولَ : أَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّحْرُ يَوْمَ الضُّحَى فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَسَبَبُهُ فِي سُورَةِ " وَالصَّافَّاتِ " وَغَيْرِهَا .
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قِصَّةُ إبْرَاهِيمَ فِي وَلَدِهِ إسْمَاعِيلَ ، وَمَا بَيَّنَّهُ اللَّهُ فِيهِ لِلْأُمَّةِ ، وَجَعَلَهُ لَهُمْ قُدْوَةً ، وَشَرَعَ تِلْكَ الْمِلَّةَ .
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ : الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ ؛ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَابْنُ حَبِيبٍ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إنْ اشْتَرَاهَا وَجَبَتْ .
وَهُوَ الثَّانِي .
الثَّالِثِ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ ؛ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ .
الرَّابِعِ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُسْتَحْسَنَةٌ ، وَهُوَ أَشْهَرُ الْأَقْوَالِ عِنْدَنَا .
وَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ هِيَ ؟ فَقَالَ : ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَحَّى الْمُسْلِمُونَ ، كَمَا قَالَ : أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْتَرَ الْمُسْلِمُونَ .
وَتَعَلَّقَ مَنْ أَوْجَبَهَا بِقَوْلِهِ : { فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ } ، وَبِقَوْلِهِ : { مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ } .
وَقَدْ تَقَرَّبَ بِدَمٍ وَاجِبٍ فِي يَوْمِ النَّحْرِ ، فَلْيَتَقَرَّبْ كُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى مِلَّتِهِ بِدَمٍ وَاجِبٍ ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ قَدْ أُلْزِمَ الْمِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ .
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ : { عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ } .
وَالْعَتِيرَةُ هِيَ الرَّجَبِيَّةُ .
{ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ حِينَ ذَبَحَ الْجَذَعَةَ فِي الْأُضْحِيَّةِ : تَجْزِيَك ، وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك } .
وَلَا يُقَالُ تَجْزِي إلَّا فِي الْوَاجِبِ .
قُلْنَا : أَمَّا قَوْلُهُ : { فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ } فَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ النَّاسِ فِيهِ ، وَمَا اخْتَرْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ فَلِاحْتِمَالِهِ تَسْقُطُ الْحُجَّةُ مِنْهُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : { مِلَّةَ أَبِيكُمْ } فَمِلَّةُ
أَبِينَا إبْرَاهِيمَ تَشْتَمِلُ عَلَى فَرَائِضَ وَفَضَائِلَ وَسُنَنٍ ، وَلَا بُدَّ فِي تَعْيِينِ كُلِّ قِسْمٍ مِنْهَا مِنْ دَلِيلٍ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { تَجْزِيك وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك } ، فَكَذَلِكَ يُقَالُ تَجْزِيَك فِي السُّنَّةِ كَمَا يُقَالُ فِي الْفَرْضِ ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ شَرْعُهُ ، وَفِيهِ شَرْطُهُ ، وَمِنْهُ إجْزَاؤُهُ أَوْ رَدُّهُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : { عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ } فَيُعَارِضُهُ حَدِيثُ شُعْبَةَ عَنْ مَالِكٍ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ : { مَنْ رَأَى مِنْكُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ ، وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَحْلِقَنَّ شَعْرًا ، وَلَا يَقْلِمَنَّ ظُفْرًا حَتَّى يَنْحَرَ ضَحِيَّتَهُ } .
فَعَلَّقَ الْأُضْحِيَّةَ بِالْإِرَادَةِ ، وَالْوَاجِبُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا ؛ بَلْ هُوَ فَرْضٌ أَرَادَ الْم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://moosam66.yoo7.com
mousa
.
.
mousa


مصر
عدد المساهمات : 6914

كتاب أحكام القرآن ج23 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب أحكام القرآن ج23   كتاب أحكام القرآن ج23 I_icon_minitimeالإثنين أغسطس 01, 2011 5:57 am

سُورَةُ النَّصْرِ [ فِيهَا آيَةٌ وَاحِدَةٌ ] قَوْله تَعَالَى : { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك وَاسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } .
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ نَفْسَهُ ، فَقَالَ : لِمَ يَدْخُلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ ؟ فَقَالَ عُمَرُ : إنَّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ .
فَدَعَانِي ذَاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَنِي مَعَهُمْ ، فَمَا رَأَيْت أَنَّهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إلَّا لِيُرِيَهُمْ ، فَقَالَ : مَا تَقُولُونَ فِي قَوْله تَعَالَى : { إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ ، وَنَسْتَغْفِرَهُ إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ ، وَفَتَحَ عَلَيْنَا .
وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ ، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا .
فَقَالَ لِي : كَذَلِكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ؟ قُلْت : لَا .
قَالَ : فَمَا تَقُولُ ؟ قُلْت : هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ بِهِ ؛ قَالَ لَهُ : { إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } فِي ذَلِكَ عَلَامَةُ أَجَلِك ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك وَاسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كَانَ تَوَّابًا .
فَقَالَ : لَا أَعْلَمُ مِنْهَا إلَّا مَا تَقُولُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ رَوَى الْأَئِمَّةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ قَالَتْ : { مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً بَعْدَ إذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ : { إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } إلَّا يُكْثِرَ أَنْ يَقُولَ : سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي } .
وَعَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ : سُبْحَانَك اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ } .
{ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي .
قَالَ : قُلْ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك ، رَبِّي إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي

ظُلْمًا كَثِيرًا ، وَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك ، وَارْحَمْنِي إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } .

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ مَاذَا يُغْفَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ رَوَى الْأَئِمَّةُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : { رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَئِي وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي ، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت ، وَمَا أَسْرَرْت وَمَا أَعْلَنْت ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .
قَالَ الْقَاضِي : وَأَنَا أَقُولُ : كُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي مُضَاعَفٌ ، وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ بَرِيءٌ .
وَلَكِنْ كَانَ يَسْتَقْصِرُ نَفْسَهُ لِعَظِيمِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَيَرَى قُصُورَهُ عَنْ الْقِيَامِ بِحَقِّ ذَلِكَ ذُنُوبًا ؛ فَأَمَّا أَنَا فَإِنَّمَا ذُنُوبِي بِالْعَمْدِ الْمَحْضِ ، وَالتَّرْكِ التَّامِّ ، وَالْمُخَالَفَةِ الْبَيِّنَةِ ، وَاَللَّهُ يَفْتَحُ بِالتَّوْبَةِ وَيَمُنُّ بِالْعِصْمَةِ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ ، لَا رَبَّ سِوَاهُ .
سُورَةُ تَبَّتْ [ وَفِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ ] .
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي سَبَبِ نُزُولِهَا : رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ [ عَنْهُ ] قَالَ : { لَمَّا نَزَلَتْ : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَك الْأَقْرَبِينَ } وَرَهْطَك مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا وَهَتَفَ : يَا صَبَاحَاهُ فَقَالُوا : مَنْ هَذَا ؟ فَاجْتَمَعُوا إلَيْهِ ، فَقَالَ : أَنَا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ، أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ ، وَأَنَّ الْعَدُوَّ مُصْبِحُكُمْ أَوْ مُمْسِيكُمْ ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ ؟ قَالُوا : مَا جَرَّبْنَا عَلَيْك كَذِبًا .
قَالَ : فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ .
فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ : أَلِهَذَا جَمَعْتنَا ؟ تَبًّا لَك ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } .
إلَى آخِرِهَا } .
هَكَذَا قَرَأَهَا الْأَعْمَشُ عَلَيْنَا يَوْمَئِذٍ ، زَادَ الْحُمَيْدِيُّ وَغَيْرُهُ : { فَلَمَّا سَمِعَتْ امْرَأَتُهُ مَا نَزَلَ فِي زَوْجِهَا وَفِيهَا مِنْ الْقُرْآنِ ، أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي يَدِهَا فِهْرٌ مِنْ حِجَارَةٍ ، فَلَمَّا وَقَفَتْ عَلَيْهِ أَخَذَ اللَّهُ بِبَصَرِهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَرَ إلَّا أَبَا بَكْرٍ .
فَقَالَتْ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، أَيْنَ صَاحِبُك ؟ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ يَهْجُونِي ، فَوَاَللَّهِ لَوْ وَجَدْته لَضَرَبْت بِهَذَا الْفِهْرِ فَاهُ ، وَاَللَّهِ إنِّي لَشَاعِرَةٌ : مُذَمَّمًا عَصَيْنَا وَأَمْرُهُ أَبَيْنَا وَدِينُهُ قَلَيْنَا ثُمَّ انْصَرَفَتْ .
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَمَا تَرَاهَا رَأَتْك ؟ قَالَ : مَا رَأَتْنِي ، لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ بِبَصَرِهَا عَنِّي } .
وَكَانَتْ قُرَيْشٌ إنَّمَا تُسَمِّي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُذَمَّمًا ، ثُمَّ
يَسُبُّونَهُ ، فَكَانَ يَقُولُ : أَلَا تَعْجَبُونَ لِمَا يَصْرِفُ اللَّهُ عَنِّي مِنْ أَذَى قُرَيْشٍ يَسُبُّونَ وَيَهْجُونَ مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } : اسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى ، وَاسْمُ امْرَأَتِهِ الْعَوْرَاءُ أُمُّ جَمِيلٍ ، أُخْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ ، فَظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَكْنِيَةِ الْمُشْرِكِ ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي سُورَةِ طَه فِي قَوْلِهِ : { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا } " يَعْنِي كَنِّيَاهُ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ .
وَهَذَا بَاطِلٌ ؛ إنَّمَا كَنَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِمَعَانٍ أَرْبَعَةٍ : الْأَوَّلِ أَنَّهُ [ لَمَّا ] كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ الْعُزَّى ، فَلَمْ يُضِفْ اللَّهُ الْعُبُودِيَّةَ إلَى صَنَمٍ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ .
الثَّانِي : أَنَّهُ كَانَ تَكْنِيَتُهُ أَشْهُرُ مِنْهُ بِاسْمِهِ ؛ فَصَرَّحَ بِهِ .
الثَّالِثِ أَنَّ الِاسْمَ أَشْرَفُ مِنْ الْكُنْيَةِ ، فَحَطَّهُ اللَّهُ عَنْ الْأَشْرَفِ إلَى الْأَنْقَصِ ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْخِيَارِ عَنْهُ ، وَلِذَلِكَ دَعَا اللَّهُ أَنْبِيَاءَهُ بِأَسْمَائِهِمْ ، وَلَمْ يَكُنْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ .
وَيَدُلُّك عَلَى شَرَفِ الِاسْمِ [ عَلَى الْكُنْيَةِ ] أَنَّ اللَّهَ يُسَمِّي وَلَا يُكَنِّي وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِظُهُورِهِ وَبَيَانِهِ وَاسْتِحَالَةِ نِسْبَةِ الْكُنْيَةِ إلَيْهِ لِتَقَدُّسِهِ عَنْهَا .
الرَّابِعِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُحَقِّقَ نَسَبَهُ بِأَنْ يُدْخِلَهُ النَّارَ ، فَيَكُونَ أَبًا لَهَا ، تَحْقِيقًا لِلنَّسَبِ ، وَإِمْضَاءً لِلْفَأْلِ وَالطِّيَرَةِ الَّتِي اخْتَارَ لِنَفْسِهِ [ لِذَلِكَ ] .
وَقَدْ قِيلَ : إنَّ أَهْلَهُ إنَّمَا كَانُوا سَمَّوْهُ أَبَا لَهَبٍ لِتَلَهُّبِ وَجْهِهِ وَحُسْنِهِ ؛ فَصَرَفَهُمْ اللَّهُ عَنْ أَنْ يَقُولُوا لَهُ : أَبُو نُورٍ ، وَأَبُو الضِّيَاءِ ، الَّذِي هُوَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ وَأَجْرَى عَلَى أَلْسِنَتهمْ أَنْ يُضِيفُوهُ إلَى اللَّهَبِ الَّذِي هُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمَكْرُوهِ وَالْمَذْمُومِ ، وَهُوَ النَّارُ ، ثُمَّ تَحَقَّقَ ذَلِكَ فِيهِ بِأَنْ جَعَلَهَا مَقَرَّهُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ مَرَّتْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ قِرَاءَتَانِ : إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ : " وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَك الْأَقْرَبِينَ .
وَرَهْطَك مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ " .
وَالثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى : تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ .
وَهُمَا شَاذَّتَانِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ رَوَاهُمَا عَنْ الْعَدْلِ ، وَلَكِنَّهُ كَمَا بَيَّنَّا لَا يُقْرَأُ إلَّا بِمَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ .
سُورَةُ الْإِخْلَاصِ [ وَقِيلَ ] التَّوْحِيدُ .
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي سَبَبِ نُزُولِهَا : رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مَقْطُوعًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا أَنَّهُ قَالَ : { أَتَى رَهْطٌ مِنْ يَهُودَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا مُحَمَّدُ ، هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ .
فَمَنْ خَلَقَهُ ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَقَعَ لَوْنُهُ ، ثُمَّ سَاوَرَهُمْ غَضَبًا لِرَبِّهِ ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسَكَّنَهُ ، فَقَالَ : خَفِّضْ عَلَيْك يَا مُحَمَّدُ ، وَجَاءَهُ مِنْ اللَّهِ بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } السُّورَةَ } .
وَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ بَاطِلَةٌ هَذَا أَمْثَلُهَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي فَضْلِهَا ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ { أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } يُرَدِّدُهَا ، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَتَقَالُّهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ } ، فَهَذَا فَضْلُهَا ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَالْمُشْكِلَيْنِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ رُوِيَ أَنَّ { رَجُلًا كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ ، فَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ قَوْمُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ فَقَالَ : إنِّي أُحِبُّهَا ، فَقَالَ لَهُ : حُبُّك إيَّاهَا أَدْخَلَك الْجَنَّةَ } .
فَكَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَكْرَارُ سُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ .
وَقَدْ رَأَيْت عَلَى بَابِ الْأَسْبَاطِ فِيمَا يَقْرُبُ مِنْهُ إمَامًا مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ إمَامًا كَانَ فِيهِ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ فِي رَمَضَانَ بِالْأَتْرَاكِ ، فَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، حَتَّى يُتِمَّ التَّرَاوِيحَ تَخْفِيفًا عَلَيْهِمْ وَرَغْبَةً فِي فَضْلِهَا .
وَلَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ خَتْمُ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ ، حَسْبَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَالْمَسَائِلِ .
سُورَةُ الْفَلَقِ وَالنَّاسِ [ فِيهِمَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ ] : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي سَبَبِ نُزُولِهِمَا : رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُحِرَ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلَ إلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَلَا يَفْعَلُهُ ، فَمَكَثَ كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا عَائِشَةُ ، أَشْعَرْت أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْته فِيهِ ؟ أَتَانِي مَلَكَانِ ، فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي ، وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلِيَّ قَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلَّذِي عِنْدَ رِجْلِي : مَا شَأْنُ الرَّجُلِ ؟ قَالَ : مَطْبُوبٌ .
قَالَ : وَمَنْ طَبَّهُ ؟ قَالَ : لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ .
فَقَالَ : فَبِمَاذَا ؟ قَالَ : فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ ، فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ ، تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ .
فَجَاءَ الْبِئْرَ وَاسْتَخْرَجَهُ } .
انْتَهَى الصَّحِيحُ زَادَ غَيْرُهُ : { فَوَجَدَ فِيهَا إحْدَى عَشْرَ عُقْدَةً ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ إحْدَى عَشْرَ آيَةً ، فَجَعَلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، حَتَّى انْحَلَّتْ الْعُقَدُ ، وَقَامَ كَأَنَّمَا أَنْشَطُ مِنْ عِقَالٍ } .
أَفَادَنِيهَا شَيْخُنَا الزَّاهِدُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ عَلِيِّ بْنُ بَدْرَانَ الصُّوفِيُّ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إذَا وَقَبَ } : رُوِيَ أَنَّهُ الذَّكَرُ .
وَرُوِيَ أَنَّهُ اللَّيْلُ .
وَرُوِيَ أَنَّهُ الْقَمَرُ ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَوَجْهُ أَنَّهُ الذَّكَرُ أَوْ اللَّيْلُ لَا يَخْفَى .
وَوَجْهُ أَنَّهُ الْقَمَرُ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْجَهْلِ وَعِبَادَتِهِ وَاعْتِقَادِ الطَّبَائِعِيِّينَ أَنَّهُ يَفْعَلُ الْفَاكِهَةَ أَوْ تَنْفَعِلُ عَنْهُ ، أَوْ لِأَنَّهُ إذَا طَلَعَ بِاللَّيْلِ انْتَشَرَتْ عَنْهُ الْحَشَرَاتُ بِالْإذَايَاتِ ، وَهَذَا يَضْعُفُ لِأَجْلِ انْتِشَارِهَا بِاللَّيْلِ أَكْثَرَ مِنْ انْتِشَارِهَا بِالْقَمَرِ .
وَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا يُغْنِي عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَاتٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهُنَّ ، فَذَكَرَ السُّورَتَيْنِ : الْفَلَقَ ، وَالنَّاسَ } صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَفِي الصَّحِيحِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ قَالَتْ عَائِشَةُ : فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْت أَنْفُثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ ، وَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا } .
قُلْت لِلزُّهْرِيِّ : كَيْفَ يَنْفُثُ ؟ قَالَ : يَنْفُثُ عَلَى يَدَيْهِ وَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ .
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ : قَالَ مَالِكٌ : هُمَا مِنْ الْقُرْآنِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمُشْكِلَيْنِ .
قَالَ الْإِمَامُ الْقَاضِي ابْنُ الْعَرَبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَدْ أَتَيْنَا عَلَى مَا شَرَطْنَا فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ حَسَبَ الْإِمْكَانِ عَلَى حَالِ الزَّمَانِ ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى عَوَارِضَ لَا تُعَارِضُ مَا بَيْنَ مَعَاشٍ [ يُرَاشُ ] ، وَمُسَاوَرَةِ عَدُوٍّ أَوْ هَرَاشٍ ، وَسَمَاعٍ لِلْحَدِيثِ لَيْسَ لَهُ دِفَاعٌ ، وَطَالِبٍ لَا بُدَّ مِنْ مُسَاعَدَتِهِ فِي الْمَطَالِبِ ، إلَى هِمَمٍ لِأَهْلِ هَذِهِ الْأَقْطَارِ قَاصِرَةٍ ، وَأَفْهَامٍ مُتَقَاصِرَةٍ ، وَتَقَاعُدٍ عَنْ الِاطِّلَاعِ إلَى بَقَاءِ الِاسْتِبْصَارِ ، وَاقْتِنَاعٍ بِالْقِشْرِ عَنْ اللُّبَابِ ، وَإِقْصَارٍ وَاجْتِزَاءٍ بِالنُّفَايَةِ عَنْ النُّقَاوَةِ ، وَزُهْدٍ فِي طَرِيقِ الْحَقَائِقِ ، بِيَدِ أَنَّهُ لَمْ يَسَعْنَا وَالْحَالَةَ هَذِهِ إلَّا نَشْرُ مَا جَمَعْنَاهُ ، وَنَثْرُ مَا وَعَيْنَاهُ ، وَالْإِمْسَاكُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِمْ وَلَا تَبْلُغُهُ إحَاطَتُهُمْ .
وَكَمُلَ الْقَوْلُ الْمُوجَزُ فِي التَّوْحِيدِ وَالْأَحْكَامِ ، وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ ، مِنْ عَرِيضِ بَيَانِهِ ، وَطَوِيلِ تِبْيَانِهِ ، وَكَثِيرِ بُرْهَانِهِ ، وَبَقِيَ الْقَوْلُ فِي عِلْمِ التَّذْكِيرِ وَهُوَ بَحْرٌ لَيْسَ لِمَدِّهِ حَدٌّ ، وَمَجْمُوعٍ لَا يَحْصُرُهُ الْعَدُّ ، وَقَدْ كُنَّا أَمْلَيْنَا عَلَيْكُمْ فِي ثَلَاثِينَ سَنَةً مَا لَوْ قُيِّضَ لَهُ تَحْصِيلٌ لَكَانَتْ لَهُ جُمْلَةٌ تَدُلُّ عَلَى التَّفْصِيلِ ، وَلَمَّا ذَهَبَ [ بِهِ ] الْمِقْدَارُ ، فَسَيَعْلَمُ
الْغَافِلُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارُ .
وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنْ الْحَمَدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
[ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ : انْتَهَى الْقَوْلُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا كَمَا هُوَ أَهْلُهُ ] .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://moosam66.yoo7.com
 
كتاب أحكام القرآن ج23
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب أحكام القرآن ج22
» كتاب أحكام القرآن ج21
» كتاب أحكام القرآن ج17
» كتاب أحكام القرآن ج21
» كتاب أحكام القرآن ج21

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مصر اسلامية  :: سلة المحزوفات-
انتقل الى: