مصر اسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ التوبة (51)
 
الرئيسيةمحرك بحثأحدث الصورالتسجيلدخول

مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَاالْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ الرعد (35)

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِفَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ آل عمران (103)

اختر لغة الموقع من هنا
أختر لغة المنتدى من هنا
ناشونال جرافيك
كتاب أحكام القرآن ج18 Uoouuo10
الجزيرة - مباشر مصر
كتاب أحكام القرآن ج18 _uoooo10
الجزيرة نت
كتاب أحكام القرآن ج18 Ouoous17
الجزيرة america
كتاب أحكام القرآن ج18 Ouoous18
الاخوان المسلمون
كتاب أحكام القرآن ج18 Ouoouo14
cnn english
كتاب أحكام القرآن ج18 Oouu_o11
جريدة الشعب
كتاب أحكام القرآن ج18 Oousoo10
احرار 25
كتاب أحكام القرآن ج18 Ooooo_11
شبكة رصد الاخبارية
كتاب أحكام القرآن ج18 Oouo14
الجزيرة الوثائقية
كتاب أحكام القرآن ج18 Ouoous19
CNN بالعربية
كتاب أحكام القرآن ج18 Oouooo10
المواضيع الأخيرة
» خطبة عيد الفطر 2016(صلة الرحم ) للشيخ أسامة موسى عبدالله الأزهري برقم 1045
كتاب أحكام القرآن ج18 I_icon_minitimeالسبت يناير 28, 2017 9:02 am من طرف mousa

» حدوتة مصرية وفقرة عن مناسك الحج وكيفية الاستعداد لها
كتاب أحكام القرآن ج18 I_icon_minitimeالسبت يناير 28, 2017 9:01 am من طرف mousa

» خطبة الحقوق المتكافئة ويوم عرفه للشيخ أسامةموسى عبدالله الأزهري برقم
كتاب أحكام القرآن ج18 I_icon_minitimeالسبت يناير 28, 2017 8:59 am من طرف mousa

» فضل الحج والعشر ويوم عرفة للشيخ أسامة موسى عبدالله الأزهري قناة النيل الثقافية
كتاب أحكام القرآن ج18 I_icon_minitimeالسبت يناير 28, 2017 8:57 am من طرف mousa

» الأضحية ومايتعلق بها(للشيخ أسامة موسى عبدالله الأزهري برقم
كتاب أحكام القرآن ج18 I_icon_minitimeالسبت يناير 28, 2017 8:55 am من طرف mousa

» الهجرة النبوية اسباب ودروس للشيخ اسامه موسي عبدالله الازهري بتاريخ 3 10 2016
كتاب أحكام القرآن ج18 I_icon_minitimeالسبت يناير 28, 2017 8:53 am من طرف mousa

» خطبة العيد التضحية والاضحية 2016 للشيخ أسامة موسى عبدالله الأزهري
كتاب أحكام القرآن ج18 I_icon_minitimeالسبت يناير 28, 2017 8:52 am من طرف mousa

» درس حق الزوجة للشيخ أسامة موسى عبدالله الأزهري
كتاب أحكام القرآن ج18 I_icon_minitimeالسبت يناير 28, 2017 8:50 am من طرف mousa

» خطبة الخطبة الهجرة النبويةوالبناء والأخلاق للشيخ أسامة موسى عبدلله الأزهري 2016
كتاب أحكام القرآن ج18 I_icon_minitimeالسبت يناير 28, 2017 8:48 am من طرف mousa

المهندس محمد موسى
كتاب أحكام القرآن ج18 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج18 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج18 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج18 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج18 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج18 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج18 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج18 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج18 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج18 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج18 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج18 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج18 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج18 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج18 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج18 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج18 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج18 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج18 Uo_ouu10
كتاب أحكام القرآن ج18 Uo_ouu10

 

 كتاب أحكام القرآن ج18

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
mousa
.
.
mousa


مصر
عدد المساهمات : 6914

كتاب أحكام القرآن ج18 Empty
مُساهمةموضوع: كتاب أحكام القرآن ج18   كتاب أحكام القرآن ج18 I_icon_minitimeالإثنين أغسطس 01, 2011 6:51 am

الْآيَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا } فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : الْوَطَرُ : الْأَرَبُ ، وَهُوَ الْحَاجَةُ ، وَذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ : { أَيُّكُمْ يَمْلِكُ أَرَبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ أَرَبَهُ } عَلَى أَحَدِ الضَّبْطَيْنِ يَعْنِي شَهْوَتَهُ " .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : { زَوَّجْنَاكَهَا } فَذَكَرَ عَقْدَهُ عَلَيْهَا بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ ، وَهَذَا اللَّفْظُ يَدُلُّ عِنْدَ جَمَاعَةٍ عَلَى أَنَّهُ الْقَوْلُ الْمَخْصُوصُ بِهِ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ فِيهِ ، وَعِنْدَنَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَضْلَ فِيهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : رَوَى يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ وَغَيْرُهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا زَيْدًا فَقَالَ : ائْتِ زَيْنَبَ فَاذْكُرْنِي لَهَا } ، كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ يَحْيَى : { فَأَخْبِرْهَا أَنَّ اللَّهَ قَدْ زَوَّجَنِيهَا ، فَاسْتَفْتَحَ زَيْدٌ الْبَابَ ، فَقَالَتْ : مَنْ ؟ قَالَ : زَيْدٌ .
قَالَتْ : مَا حَاجَتُك ؟ قَالَ : أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَقَالَتْ : مَرْحَبًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَتَحَتْ لَهُ ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَبْكِي ، فَقَالَ زَيْدٌ : لَا أَبْكَى اللَّهُ لَك عَيْنًا قَدْ كُنْت نِعْمَتْ الْمَرْأَةُ تَبَرِّينَ قَسَمِي ، وَتُطِيعِينَ أَمْرِي ، وَتَبْغِينَ مَسَرَّتِي ، وَقَدْ أَبْدَلَك اللَّهُ خَيْرًا مِنِّي .
قَالَتْ مَنْ ؟ قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَخَرَّتْ سَاجِدَةً } .
وَفِي رِوَايَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ { قَالَتْ : حَتَّى أَوَامِرَ رَبِّي ، وَقَامَتْ إلَى مُصَلَّاهَا ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ إذْنٍ ، فَكَانَتْ تَفْتَخِرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقُولُ : أَمَّا أَنْتُنَّ فَزَوَّجَكُنَّ آبَاؤُكُنَّ ، وَأَمَّا أَنَا
فَزَوَّجَنِي اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { إنَّ زَيْدًا لَمَّا جَاءَهَا بِرِسَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَهَا تُخَمِّرُ عَجِينَهَا قَالَ : فَمَا اسْتَطَعْت أَنْ أَنْظُرَ إلَيْهَا مِنْ عِظَمِهَا فِي صَدْرِي ، فَوَلَّيْت لَهَا ظَهْرِي ، وَنَكَصْت عَلَى عَقِبِي ، وَقُلْت : يَا زَيْنَبُ ، أَبْشِرِي ، أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُك الْحَدِيثُ } .
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : { قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي أُدِلُّ عَلَيْك بِثَلَاثٍ ، مَا مِنْ أَزْوَاجِك امْرَأَةٌ تُدِلُّ بِهِنَّ عَلَيْك : جَدِّي وَجَدُّك وَاحِدٌ ، وَإِنِّي أَنْكَحَنِيكَ اللَّهُ مِنْ السَّمَوَاتِ ، وَإِنَّ السَّفِيرَ جِبْرِيلُ } .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْله تَعَالَى : { لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا } يَعْنِي دَخَلُوا بِهِنَّ ، وَإِنَّمَا الْحَرَجُ فِي أَزْوَاجِ الْأَبْنَاءِ مِنْ الْأَصْلَابِ ، أَوْ مَا يَكُونُ فِي حُكْمِ الْأَبْنَاءِ مِنْ الْأَصْلَابِ بِالْبَعْضِيَّةِ ، وَهُوَ فِي الرَّضَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ .
الْآيَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ :
الْآيَةُ الثَّالِثَةَ عَشَرَ قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا } .
إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَطَّطَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُطَطِهِ ، وَعَدَّدَ لَهُ أَسْمَاءَهُ ، وَالشَّيْءُ إذَا عَظُمَ قَدْرُهُ عَظُمَتْ أَسْمَاؤُهُ قَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ : لِلَّهِ تَعَالَى أَلْفُ اسْمٍ ، وَلِلنَّبِيِّ أَلْفُ اسْمٍ .
فَأَمَّا أَسْمَاءُ اللَّهِ فَهَذَا الْعَدَدُ حَقِيرٌ فِيهَا ، { قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا } .
وَأَمَّا أَسْمَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُحْصِهَا إلَّا مِنْ جِهَةِ الْوُرُودِ الظَّاهِرِ لِصِيغَةِ الْأَسْمَاءِ الْبَيِّنَةِ ، فَوَعَيْتُ مِنْهَا جُمْلَةً ، الْحَاضِرُ الْآنَ مِنْهَا سَبْعَةٌ وَسِتُّونَ اسْمًا : أَوَّلُهَا الرَّسُولُ ، الْمُرْسَلُ ، النَّبِيُّ ، الْأُمِّيُّ ، الشَّهِيدُ ، الْمُصَدِّقُ ، النُّورُ ، الْمُسْلِمُ ، الْبَشِيرُ ، الْمُبَشِّرُ ، النَّذِيرُ ، الْمُنْذِرُ ، الْمُبَيِّنُ ، الْعَبْدُ ، الدَّاعِي ، السِّرَاجُ ، الْمُنِيرُ ، الْإِمَامُ ، الذِّكْرُ الْمُذَكِّرُ ، الْهَادِي ، الْمُهَاجِرُ ، الْعَامِلُ ، الْمُبَارَكُ ، الرَّحْمَةُ ، الْآمِرُ ، النَّاهِي ، الطَّيِّبُ ، الْكَرِيمُ ، الْمُحَلِّلُ ، الْمُحَرِّمُ ، الْوَاضِعُ ، الرَّافِعُ ، الْمُخْبِرُ ، خَاتَمُ النَّبِيِّينَ ، ثَانِي اثْنَيْنِ ، مَنْصُورٌ ، أُذُنُ خَيْرٍ ، مُصْطَفًى ، أَمِينٌ ، مَأْمُونٌ ، قَاسِمٌ ، نَقِيبٌ ، مُزَّمِّلٌ ، مُدَّثِّرٌ ، الْعَلِيُّ ، الْحَكِيمُ ، الْمُؤْمِنُ ، الرَّءُوفُ ، الرَّحِيمُ ، الصَّاحِبُ ، الشَّفِيعُ ، الْمُشَفَّعُ ، الْمُتَوَكِّلُ ، مُحَمَّدٌ ، أَحْمَدُ ، الْمَاحِي ، الْحَاشِرُ ، الْمُقَفِّي ، الْعَاقِبُ ، نَبِيُّ التَّوْبَةِ ، نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ، نَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ ، عَبْدُ اللَّهِ ، نَبِيُّ الْحَرَمَيْنِ ، فِيمَا ذَكَرَ أَهْلُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ .
وَلَهُ وَرَاءَ هَذِهِ فِيمَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ مَا لَا يُصِيبُهُ إلَّا صَمَيَانٌ .
فَأَمَّا الرَّسُولُ
: فَهُوَ الَّذِي تَتَابَعَ خَبَرُهُ عَنْ اللَّهِ ، وَهُوَ الْمُرْسَلُ بِفَتْحِ السِّينِ ، وَلَا يَقْتَضِي التَّتَابُعَ .
وَهُوَ الْمُرْسِلُ : بِكَسْرِ السِّينِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعُمُّ بِالتَّبْلِيغِ مُشَافَهَةً ، فَلَمْ يَكُ بُدٌّ مِنْ الرُّسُلِ يَنُوبُونَ عَنْهُ ، وَيَتَلَقَّوْنَ مِنْهُ ، كَمَا بَلَّغَ عَنْ رَبِّهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : { تَسْمَعُونَ ، وَيَسْمَعُ مِنْكُمْ ، وَيَسْمَعُ مِمَّنْ يَسْمَعُ مِنْكُمْ } .
وَأَمَّا النَّبِيءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَهُوَ مَهْمُوزٌ مِنْ النَّبَأِ ، وَغَيْرُ مَهْمُوزٍ مِنْ النُّبُوَّةِ ، وَهُوَ الْمُرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ ، فَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْبِرٌ عَنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، رَفِيعُ الْقَدْرِ عِنْدَهُ ، فَاجْتَمَعَ لَهُ الْوَصْفَانِ ، وَتَمَّ لَهُ الشَّرَفَانِ .
وَأَمَّا الْأُمِّيُّ : فَفِيهِ أَقْوَالٌ ؛ أَصَحُّهَا أَنَّهُ الَّذِي لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ ، كَمَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاَللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا } ، ثُمَّ عَلَّمَهُمْ مَا شَاءَ .
وَأَمَّا الشَّهِيدُ : فَهُوَ لِشَهَادَتِهِ عَلَى الْخَلْقِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } .
وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى أَنَّهُ تَشْهَدُ لَهُ الْمُعْجِزَةُ بِالصِّدْقِ ، وَالْخَلْقُ بِظُهُورِ الْحَقِّ .
وَأَمَّا الْمُصَدِّقُ : فَهُوَ بِمَا صَدَّقَ بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ } .
وَأَمَّا النُّورُ : فَإِنَّمَا هُوَ نُورٌ بِمَا كَانَ فِيهِ الْخَلْقُ مِنْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ وَالْجَهْلِ ، فَنَوَّرَ اللَّهُ الْأَفْئِدَةَ بِالْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ .
وَأَمَّا الْمُسْلِمُ : فَهُوَ خَيْرُهُمْ وَأَوَّلُهُمْ ، كَمَا قَالَ : { وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } .
وَتَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ بِشَرَفِ انْقِيَادِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ ، وَبِكُلِّ حَالٍ إلَى اللَّهِ وَبِسَلَامَةٍ عَنْ الْجَهْلِ وَالْمَعَاصِي .
وَأَمَّا الْبَشِيرُ : فَإِنَّهُ أَخْبَرَ الْخَلْقَ بِثَوَابِهِمْ إنْ أَطَاعُوا ، وَبِعِقَابِهِمْ إنْ عَصَوْا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وَكَذَلِكَ الْمُبَشِّرُ .
وَأَمَّا النَّذِيرُ وَالْمُنْذِرُ : فَهُوَ الْمُخْبِرُ عَمَّا يُخَافُ وَيُحْذَرُ ، وَيَكُفُّ عَمَّا يَؤُولُ إلَيْهِ وَيُعْمَلُ بِمَا يُدْفَعُ فِيهِ .
وَأَمَّا الْمُبَيِّنُ : فَمَا أَبَانَ عَنْ رَبِّهِ مِنْ الْوَحْيِ وَالدِّينِ ، وَأَظْهَرَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ .
وَأَمَّا الْأَمِينُ : فَبِأَنَّهُ حَفِظَ مَا أُوحِيَ إلَيْهِ وَمَا وُظِّفَ إلَيْهِ ، وَمَنْ أَجَابَهُ إلَى أَدَاءِ مَا دَعَاهُ .
وَأَمَّا الْعَبْدُ : فَإِنَّهُ ذَلَّ لِلَّهِ خُلُقًا وَعِبَادَةً ، فَرَفَعَهُ اللَّهُ عِزًّا وَقَدْرًا عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ ، فَقَالَ : { أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ } .
وَأَمَّا الدَّاعِي : فَبِدُعَائِهِ الْخَلْقَ لِيَرْجِعُوا مِنْ الضَّلَالِ إلَى الْحَقِّ .
وَأَمَّا السِّرَاجُ : فَبِمَعْنَى النُّورِ ، إذْ أَبْصَرَ بِهِ الْخَلْقُ الرُّشْدَ .
وَأَمَّا الْمُنِيرُ : فَهُوَ مُفْعِلٌ مِنْ النُّورِ .
وَأَمَّا الْإِمَامُ : فَلِاقْتِدَاءِ الْخَلْقِ بِهِ وَرُجُوعِهِمْ إلَى قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ .
وَأَمَّا الذِّكْرُ : فَإِنَّهُ شَرِيفٌ فِي نَفْسِهِ ، مُشَرِّفٌ غَيْرَهُ ، مُخْبِرٌ عَنْ رَبِّهِ ، وَاجْتَمَعَتْ لَهُ وُجُوهُ الذِّكْرِ الثَّلَاثَةُ .
وَأَمَّا الْمُذَكِّرُ : فَهُوَ الَّذِي يَخْلُقُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ الذِّكْرَ ، وَهُوَ الْعِلْمُ الثَّانِي فِي الْحَقِيقَةِ ، وَيَنْطَلِقُ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا ، وَلَقَدْ اعْتَرَفَ الْخَلْقُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ الرَّبُّ ، ثُمَّ ذَهَلُوا ، فَذَكَّرَهُمْ اللَّهُ بِأَنْبِيَائِهِ ، وَخَتَمَ الذِّكْرَ بِأَفْضَلِ أَصْفِيَائِهِ ، وَقَالَ : { فَذَكِّرْ إنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ } .
ثُمَّ مَكَّنَهُ مِنْ السَّيْطَرَةِ ، وَآتَاهُ السَّلْطَنَةَ ، وَمَكَّنَ لَهُ دِينَهُ فِي الْأَرْضِ .
وَأَمَّا الْهَادِي : فَإِنَّهُ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِهِ النَّجْدَيْنِ .
وَأَمَّا الْمُهَاجِرُ : فَهَذِهِ الصِّفَةُ لَهُ
حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّهُ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ ، وَهَجَرَ أَهْلَهُ وَوَطَنَهُ ، وَهَجَرَ الْخَلْقَ ؛ أُنْسًا بِاَللَّهِ وَطَاعَتِهِ ، فَخَلَا عَنْهُمْ ، وَاعْتَزَلَهُمْ ، وَاعْتَزَلَ مِنْهُمْ .
وَأَمَّا الْعَامِلُ : فَلِأَنَّهُ قَامَ بِطَاعَةِ رَبِّهِ ، وَوَافَقَ فِعْلُهُ وَاعْتِقَادُهُ .
وَأَمَّا الْمُبَارَكُ : فَبِمَا جَعَلَ اللَّهُ فِي حَالِهِ مِنْ نَمَاءِ الثَّوَابِ ، وَفِي حَالِ أَصْحَابِهِ مِنْ فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ ، وَفِي أُمَّتِهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعَدَدِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ .
وَأَمَّا الرَّحْمَةُ : فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَاك إلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } فَرَحِمَهُمْ بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْعَذَابِ ، وَفِي الْآخِرَةِ بِتَعْجِيلِ الْحِسَابِ ، وَتَضْعِيفِ الثَّوَابِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } .
وَأَمَّا الْآمِرُ وَالنَّاهِي : فَذَلِكَ الْوَصْفُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوَاسِطَةَ أُضِيفَ إلَيْهِ ؛ إذْ هُوَ الَّذِي يُشَاهَدُ آمِرًا نَاهِيًا ، وَيُعْلَمُ بِالدَّلِيلِ أَنَّ ذَلِكَ وَاسِطَةٌ ، وَنَقْلٌ عَنْ الَّذِي لَهُ ذَلِكَ الْوَصْفُ حَقِيقَةً .
وَأَمَّا الطَّيِّبُ فَلَا أَطْيَبَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ سَلِمَ عَنْ خَبَثِ الْقَلْبِ حِينَ رُمِيَتْ مِنْهُ الْعَلَقَةُ السَّوْدَاءُ .
وَسَلِمَ عَنْ خَبَثِ الْقَوْلِ ، فَهُوَ الصَّادِقُ الْمُصَدِّقُ .
وَسَلِمَ عَنْ خَبَثِ الْفِعْلِ ، فَهُوَ كُلُّهُ طَاعَةٌ .
وَأَمَّا الْكَرِيمُ : فَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْكَرَمِ ، وَهُوَ لَهُ عَلَى التَّمَامِ وَالْكَمَالِ .
وَأَمَّا الْمُحَلِّلُ وَالْمُحَرِّمُ : فَذَلِكَ مُبَيِّنُ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ ، وَذَلِكَ بِالْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ، كَمَا تَقَدَّمَ ، وَالنَّبِيُّ مُتَوَلِّي ذَلِكَ بِالْوَسَاطَةِ وَالرِّسَالَةِ .
وَأَمَّا الْوَاضِعُ وَالرَّافِعُ : فَهُوَ الَّذِي وَضَعَ الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا ، بِبَيَانِهِ ، وَرَفَعَ قَوْمًا ، وَوَضَعَ آخَرِينَ ، وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّاعِرُ يَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ فُضِّلَ عَلَيْهِ بِالْعَطَاءِ غَيْرُهُ : أَتَجْعَلُ نَهْبِي وَنَهْبَ
الْعَبِيدِ بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ وَمَا كَانَ بَدْرٌ وَلَا حَابِسٌ يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي مَجْمَعِ وَمَا كُنْت دُونَ امْرِئٍ مِنْهُمَا وَمَنْ تَضَعُ الْيَوْمَ لَا يُرْفَعْ فَأَلْحَقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَطَاءِ بِمَنْ فَضَّلَ عَنْهُ .
وَأَمَّا الْمُخْبِرُ : فَهُوَ النَّبِيءُ مَهْمُوزًا .
وَأَمَّا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ : فَهُوَ آخِرُهُمْ : وَهِيَ عِبَارَةٌ مَلِيحَةٌ شَرِيفَةٌ ، تَشْرِيفًا فِي الْإِخْبَارِ بِالْمَجَازِ عَنْ الْآخِرِيَّةِ ؛ إذْ الْخَتْمُ آخِرُ الْكِتَابِ ، وَذَلِكَ بِمَا فُضِّلَ بِهِ ، فَشَرِيعَتُهُ بَاقِيَةٌ وَفَضِيلَتُهُ دَائِمَةٌ إلَى يَوْمِ الدِّينِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : ثَانِيَ اثْنَيْنِ فَاقْتِرَانُهُ فِي الْخَبَرِ بِاَللَّهِ .
وَأَمَّا مَنْصُورٌ : فَهُوَ الْمُعَانُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ بِالْعِزَّةِ وَالظُّهُورِ عَلَى الْأَعْدَاءِ ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الرُّسُلِ ، وَلَهُ أَكْثَرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ } .
وَقَالَ لَهُ : اُغْزُهُمْ نَمُدَّك ، وَقَاتِلْهُمْ نَعُدُّك ، وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ عَشْرَةَ أَمْثَالِهِ .
وَأَمَّا أُذُنُ خَيْرٍ : فَهُوَ بِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ فَضِيلَةِ الْإِدْرَاكِ لِقِيلِ الْأَصْوَاتِ لَا يَعِي مِنْ ذَلِكَ إلَّا خَيْرًا ، وَلَا يَسْمَعُ إلَّا أَحْسَنَهُ .
وَأَمَّا الْمُصْطَفَى : فَهُوَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ صَفْوَةُ الْخَلْقِ ، كَمَا رَوَاهُ عَنْهُ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إبْرَاهِيمَ إسْمَاعِيلَ ، وَاصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ بَنِي كِنَانَةَ ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ } .
وَأَمَّا الْأَمِينُ : فَهُوَ الَّذِي تُلْقَى إلَيْهِ مَقَالِيدُ الْمَعَانِي ثِقَةً بِقِيَامِهِ عَلَيْهَا وَحِفْظًا مِنْهُ .
وَأَمَّا الْمَأْمُونُ : فَهُوَ الَّذِي لَا يُخَافُ مِنْ جِهَتِهِ شَرٌّ .
وَأَمَّا قَاسِمٌ : فَبِمَا مَيَّزَهُ بِهِ مِنْ حُقُوقِ الْخَلْقِ فِي الزَّكَوَاتِ وَالْأَخْمَاسِ وَسَائِرِ
الْأَمْوَالِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اللَّهُ يُعْطِي ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ } .
وَأَمَّا نَقِيبٌ : فَإِنَّهُ فَخَرَ بِالْأَنْصَارِ عَلَى سَائِرِ الْأَصْحَابِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، بِأَنْ قَالَ لَهَا : { أَنَا نَقِيبُكُمْ } .
إذْ كُلُّ طَائِفَةٍ لَهَا نَقِيبٌ يَتَوَلَّى أُمُورَهَا ، وَيَحْفَظُ أَخْبَارَهَا ، وَيَجْمَعُ نَشْرَهَا ، { وَالْتَزَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِلْأَنْصَارِ } ، تَشْرِيفًا لَهُمْ .
وَأَمَّا كَوْنُهُ مُرْسَلًا فَبِبَعْثِهِ الرُّسُلَ بِالشَّرَائِعِ إلَى النَّاسِ فِي الْآفَاقِ مِمَّنْ نَأَى عَنْهُ .
وَأَمَّا الْعَلِيُّ : فَبِمَا رَفَعَ اللَّهُ مِنْ مَكَانِهِ وَشَرَّفَ مِنْ شَأْنِهِ ، وَأَوْضَحَ عَلَى الدَّعَاوَى مِنْ بُرْهَانِهِ .
وَأَمَّا الْحَكِيمُ : فَإِنَّهُ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ ، وَأَدَّى عَنْ رَبِّهِ قَانُونَ الْمَعْرِفَةِ وَالْعَمَلِ .
وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ : فَهُوَ الْمُصَدِّقُ لِرَبِّهِ ، الْعَامِلُ اعْتِقَادًا وَفِعْلًا بِمَا أَوْجَبَ الْأَمْنَ لَهُ .
وَأَمَّا الْمُصَدِّقُ : فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ ، فَإِنَّهُ صَدَّقَ رَبَّهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ، وَصَدَّقَ قَوْلَهُ بِفِعْلِهِ ، فَتَمَّ لَهُ الْوَصْفُ عَلَى مَا يَنْبَغِي مِنْ ذَلِكَ .
وَأَمَّا الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ : فَبِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ الشَّفَقَةِ عَلَى النَّاسِ .
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَقَالَ كَمَا قَالَ مَنْ قَبْلَهُ : " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " .
وَأَمَّا الصَّاحِبُ : فَبِمَا كَانَ مَعَ مَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ وَعَظِيمِ الْوَفَاءِ ، وَالْمُرُوءَةِ وَالْبِرِّ وَالْكَرَامَةِ .
وَأَمَّا الشَّفِيعُ الْمُشَفَّعُ : فَإِنَّهُ يَرْغَبُ إلَى اللَّهِ فِي أَمْرِ الْخَلْقِ بِتَعْجِيلِ الْحِسَابِ ، وَإِسْقَاطِ الْعَذَابِ وَتَخْفِيفِهِ ، فَيَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ ، وَيُخَصُّ بِهِ دُونَ الْخَلْقِ ، وَيُكَرَّمُ بِسَبَبِهِ غَايَةَ الْكَرَامَةِ .
وَأَمَّا الْمُتَوَكِّلُ : فَهُوَ الْمُلْقِي مَقَالِيدَ الْأُمُورِ إلَى اللَّهِ عِلْمًا ، كَمَا قَالَ
: { لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك } ، وَعَمَلًا ، كَمَا قَالَ : { إلَى مَنْ تَكِلُنِي ؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي ، أَوْ إلَى عَدُوٍّ مَلَّكْته أَمْرِي } ؟ وَأَمَّا الْمُقَفَّى : فِي التَّفْسِيرِ فَكَالْعَابِدِ .
وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ : لِأَنَّهُ تَابَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِهِ بِالْقَوْلِ وَالِاعْتِقَادِ دُونَ تَكْلِيفِ قَتْلٍ أَوْ إصْرٍ .
وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ : تَقَدَّمَ فِي اسْمِ الرَّحِيمِ .
وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ : لِأَنَّهُ الْمَبْعُوثُ بِحَرْبِ الْأَعْدَاءِ وَالنَّصْرِ عَلَيْهِمْ ، حَتَّى يَعُودُوا جَزْرًا عَلَى وَضَمٍ وَلَحْمًا عَلَى وَضَمٍ .
الْآيَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ : قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } .
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : هَذِهِ الْآيَةُ نَصٌّ فِي أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى مُطَلَّقَةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَهُوَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ لِهَذِهِ الْآيَةِ ، وَإِذَا دَخَلَ بِهَا فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } وقَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ } إلَى قَوْله تَعَالَى : { لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } ، وَهِيَ الرَّجْعَةُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي آيَتِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الدُّخُولُ بِالْمَرْأَةِ وَعَدَمُ الدُّخُولِ بِهَا إنَّمَا يُعْرَفُ مُشَاهَدَةً بِإِغْلَاقِ الْأَبْوَابِ عَلَى خَلْوَةٍ ، أَوْ بِإِقْرَارِ الزَّوْجَيْنِ ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دُخُولٌ وَقَالَتْ الزَّوْجَةُ : وَطِئَنِي ، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ ، حَلَفَ وَلَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ ، وَسَقَطَ عَنْهُ نِصْفُ الْمَهْرِ .
وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ : وَطِئْتهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ كُلُّهُ ، وَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ .
وَإِنْ كَانَ دُخُولٌ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ : لَمْ يَطَأْنِي لَمْ تُصَدَّقْ فِي الْعِدَّةِ ، وَلَا حَقَّ لَهَا فِي الْمَهْرِ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي الْخَلْوَةِ ، هَلْ تُقَرِّرُ الْمَهْرَ ؟ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
فَإِنْ قَالَ : وَطِئْتهَا ، وَأَنْكَرَتْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ ، وَأُخِذَ مِنْهُ الصَّدَاقُ ، وَوَقَفَ حَتَّى يَفِيءَ أَوْ يَطُولَ الْمَدَى ، فَيُرَدُّ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ، وَذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ بِخِلَافِهِ وَأَدِلَّتِهِ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : { وَمَتِّعُوهُنَّ } تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِهِ وَأَدِلَّتِهِ ، وَفِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ بِفُرُوعِهِ .
الْآيَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ : قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُك مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْك وَبَنَاتِ عَمِّك وَبَنَاتِ عَمَّاتِك وَبَنَاتِ خَالِك وَبَنَاتِ خَالَاتِك اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَك مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَيْك حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } فِيهَا ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي سَبَبِ نُزُولِهَا : رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ { قَالَتْ : خَطَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعْتَذَرْت إلَيْهِ ، فَعَذَرَنِي ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُك مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْك وَبَنَاتِ عَمِّك وَبَنَاتِ عَمَّاتِك وَبَنَاتِ خَالِك وَبَنَاتِ خَالَاتِك اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } [ قَالَتْ : فَلَمْ أَكُنْ أَحِلُّ لَهُ ؛ لِأَنِّي لَمْ أُهَاجِرْ ، كُنْت مِنْ الطُّلَقَاءِ } ] قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ [ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ السُّدِّيِّ .
قَالَ الْقَاضِي : وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا ، وَلَمْ يَأْتِ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ يُحْتَجُّ فِي مَوَاضِعِهِ بِهَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ } قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْله تَعَالَى : { أَحْلَلْنَا لَك } وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي تَفْسِيرِ الْإِحْلَالِ وَالتَّحْرِيمِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَغَيْرِهَا .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْله تَعَالَى : { أَزْوَاجَك } وَالنِّكَاحُ وَالزَّوْجِيَّةُ مَعْرُوفَةٌ .
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الزَّوْجِيَّةِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ هَلْ هُنَّ كَالسَّرَائِرِ عِنْدَنَا ، أَوْ حُكْمُهُنَّ حُكْمُ الْأَزْوَاجِ الْمُطَلَّقَةِ ؟ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ : فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ ؛ وَسَنُبَيِّنُهُ فِي قَوْلِهِ : { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ } وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُنَّ حُكْمَ الْأَزْوَاجِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَهَلْ الْمُرَادُ بِذَلِكَ كُلُّ زَوْجَةٍ أَمْ مَنْ تَحْتَهُ مِنْهُنَّ ؟ وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ : قِيلَ : إنَّ الْمَعْنَى أَحْلَلْنَا أَزْوَاجَك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورَهُنَّ أَيْ كُلَّ زَوْجَةٍ آتَيْتهَا مَهْرَهَا ، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْآيَةُ عُمُومًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأُمَّتِهِ .
الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك الْكَائِنَاتِ عِنْدَك ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : { آتَيْت } خَبَرٌ عَنْ أَمْرٍ مَاضٍ ؛ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ بِظَاهِرِهِ ، وَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ الْمَاضِي بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ إلَّا بِشُرُوطٍ لَيْسَتْ هَاهُنَا ، يَطُولُ الْكِتَابُ بِذِكْرِهَا ، وَلَيْسَتْ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ .
{ وَقَدْ عَقَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عِدَّةٍ مِنْ النِّسَاءِ نِكَاحَهُ } ، فَذَكَرْنَا عِدَّتَهُنَّ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا هَاهُنَا وَفِي غَيْرِهِ ؛ وَهُنَّ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ، وَعَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ ، وَحَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ ، وَأَمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَأَمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ ، فَهَؤُلَاءِ سِتُّ قُرَشِيَّاتٍ .
وَزَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ الْعَامِرِيَّةُ ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّةُ أَسَدُ خُزَيْمَةَ ، وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ الْهَارُونِيَّةُ ، وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْمُصْطَلِقِيَّةُ ، وَمَاتَ عَنْ تِسْعٍ ، وَسَائِرُهُنَّ فِي شَرْحِ
الْبُخَارِيِّ مَذْكُورَاتٌ .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : أَحَلَّ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْأَزْوَاجَ اللَّاتِي كُنَّ مَعَهُ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ ، فَأَمَّا إحْلَالُ غَيْرِهِنَّ فَلَا ؛ لِقَوْلِهِ : { لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ } ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ ؛ فَإِنَّ الْآيَةَ نَصٌّ فِي إحْلَالِ غَيْرِهِنَّ مِنْ بَنَاتِ الْعَمِّ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالِ وَالْخَالَاتِ ، وَقَوْلُهُ : { لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ } يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : قَوْلُهُ : { اللَّاتِي آتَيْت أُجُورَهُنَّ } يَعْنِي اللَّوَاتِي تَزَوَّجْت بِصَدَاقٍ ، وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : مِنْهُنَّ مَنْ ذَكَرَ لَهَا صَدَاقًا ، وَمِنْهُنَّ مَنْ كَانَ ذَكَرَ لَهَا الصَّدَاقَ بَعْدَ النِّكَاحِ ، كَزَيْنَبِ بِنْتِ جَحْشٍ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ نِكَاحَهَا مِنْ السَّمَاءِ ، وَكَانَ فَرْضُ الصَّدَاقِ بَعْدَ ذَلِكَ لَهَا ، وَمِنْهُنَّ مَنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا وَحَلَّتْ لَهُ ؛ وَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ : قَوْله تَعَالَى : { وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُك } يَعْنِي السَّرَارِيَ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ السَّرَارِي لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأُمَّتِهِ بِغَيْرِ عَدَدٍ ، وَأَحَلَّ الْأَزْوَاجَ لِنَبِيِّهِ مُطْلَقًا ، وَأَحَلَّهُنَّ لِلْخَلْقِ بِعَدَدٍ ؛ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ فِي شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَمَّنْ كَانَ قَبْلَهُ فِي أَحَادِيثِهِمْ أَنَّ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَتْ لَهُ مِائَةُ امْرَأَةٍ ، كَمَا تَقَدَّمَ .
وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثَلَثُمِائَةِ حُرَّةٍ وَسَبْعُمِائَةِ سُرِّيَّةٍ ، وَالْحَقُّ مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ سُلَيْمَانَ قَالَ : لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً كُلُّ امْرَأَةٍ تَلِدُ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَنَسِيَ أَنْ يَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ } .
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ : قَوْله تَعَالَى : { مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْك } وَالْمُرَادُ بِهِ الْفَيْءُ الْمَأْخُوذُ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ الشَّرْعِيَّةِ ؛ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِهِ ، وَيَطَأُ مِنْ مَلْكِ يَمِينِهِ ، بِأَشْرَفِ وُجُوهِ الْكَسْبِ ، وَأَعْلَى أَنْوَاعِ الْمِلْكِ ، وَهُوَ الْقَهْرُ وَالْغَلَبَةُ ، لَا مِنْ الصَّفْقِ بِالْأَسْوَاقِ .
وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي } .
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ : قَوْله تَعَالَى : { وَبَنَاتِ عَمِّك وَبَنَاتِ عَمَّاتِك وَبَنَاتِ خَالِك وَبَنَاتِ خَالَاتِك } الْمَعْنَى أَحْلَلْنَا لَك ذَلِكَ زَائِدًا إلَى مَا عِنْدَك مِنْ الْأَزْوَاجِ اللَّاتِي آتَيْت أُجُورَهُنَّ ؛ قَالَهُ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ .
فَأَمَّا مَنْ عَدَاهُنَّ مِنْ الصِّنْفَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمَاتِ فَلَا ذِكْرَ لِإِحْلَالِهِنَّ هَاهُنَا ؛ بَلْ هَذَا الْقَوْلُ بِظَاهِرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ غَيْرُ هَذَا ؛ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك اللَّاتِي عِنْدَك ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَحْلَلْنَا لَك كُلَّ امْرَأَةٍ تَزَوَّجْت وَآتَيْت أَجْرَهَا لِمَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَبَنَاتِ عَمِّك وَبَنَاتِ عَمَّاتِك ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِيمَا تَقَدَّمَ .
فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا كَرَّرَهُ لِأَجْلِ شَرْطِ الْهِجْرَةِ فَإِنَّهُ قَالَ : اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك .
قُلْنَا : وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَا يَصِحُّ هَذَا مَعَ هَذَا الْقَوْلِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْهِجْرَةِ لَوْ كَانَ كَمَا قُلْتُمْ لَكَانَ شَرْطًا فِي كُلِّ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا .
فَأَمَّا أَنْ يَجْعَلَ شَرْطًا فِي الْقَرَابَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يَتَزَوَّجُ مِنْهُنَّ إلَّا مَنْ هَاجَرَ وَلَا يَكُونُ شَرْطًا فِي سَائِرِ النِّسَاءِ ، فَيَتَزَوَّجُ مِنْهُنَّ مَنْ هَاجَرَ وَمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ ، فَهَذَا كَلَامٌ رَكِيكٌ مِنْ قَائِلِهِ بَيِّنٌ خَطَؤُهُ لِمُتَأَمِّلِهِ ، حَسْبَمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ ، مِنْ أَنَّ الْهِجْرَةَ لَوْ كَانَتْ شَرْطًا فِي كُلِّ زَوْجَةٍ لَمَا كَانَ لِذِكْرِ الْقَرَابَةِ فَائِدَةٌ بِحَالٍ .
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : قَوْله تَعَالَى : { اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك } وَفِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَنْكِحَ مِنْ بَنَاتِ عَمِّك وَبَنَاتِ عَمَّاتِك إلَّا مَنْ أَسْلَمَ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ } .
الثَّانِي : أَنَّ الْمَعْنَى لَا يَحِلُّ لَك مِنْهُنَّ إلَّا مَنْ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ ، لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ لَيْسَ مِنْ أَوْلِيَائِك لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا } .
وَمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ لَمْ يَكْمُلْ ، وَمَنْ لَمْ يَكْمُلْ لَمْ يَصْلُحْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَمُلَ وَشَرُفَ وَعَظُمَ .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ مَخْصُوصَةٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَتْ بِعَامَّةٍ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ تَخْتَصُّ بِهِ .
وَلِهَذَا الْمَعْنَى نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي أُمِّ هَانِئٍ بِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ هَاجَرَتْ ، فَمُنِعَ مِنْهَا لِنَقْصِهَا بِالْهِجْرَةِ ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : { هَاجَرْنَ } خَرَجْنَ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ هِيَ الْخُرُوجُ مِنْ بَلَدِ الْكُفْرِ إلَى دَارِ الْإِيمَانِ ، وَالْأَسْمَاءُ إنَّمَا تُحْمَلُ عَلَى عُرْفِهَا ، وَالْهِجْرَةُ فِي الشَّرِيعَةِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تَحْتَاجَ إلَى بَيَانٍ ، أَوْ تَخْتَصَّ بِدَلِيلٍ ؛ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لِمَنْ ادَّعَى غَيْرَهَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ : قَوْله تَعَالَى : { مَعَك } صُحْبَتِهِ إذْ هَاجَرَ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ يُقَالُ : دَخَلَ فُلَانٌ مَعِي ، أَيْ فِي صُحْبَتِي ، فَكُنَّا مَعًا ، وَتَقُولُ : دَخَلَ فُلَانٌ مَعِي وَخَرَجَ مَعِي ، أَيْ كَانَ عَمَلُهُ كَعَمَلِي ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ فِيهِ عَمَلُكُمَا وَلَوْ قُلْت : خَرَجْنَا مَعًا لَاقْتَضَى ذَلِكَ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا : الْمُشَارَكَةُ فِي الْفِعْلِ

، وَالِاقْتِرَانُ فِيهِ ؛ فَصَارَ قَوْلُك : " مَعِي " لِلْمُشَارَكَةِ ، وَقَوْلُك : " مَعًا " لِلْمُشَارَكَةِ وَالِاقْتِرَانِ .

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ : قَوْلُهُ : { وَبَنَاتِ عَمِّك } فَذَكَرَهُ مُفْرَدًا .
وَقَالَ : { وَبَنَاتِ عَمَّاتِك } فَذَكَرَهُنَّ جَمِيعًا .
وَكَذَلِكَ قَالَ : وَبَنَاتِ خَالِك فَرْدًا وَبَنَاتِ خَالَاتِك جَمْعًا .
وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعَمَّ وَالْخَالَ فِي الْإِطْلَاقِ اسْمُ جِنْسٍ كَالشَّاعِرِ وَالرَّاجِزِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ .
وَهَذَا عُرْفٌ لُغَوِيٌّ ؛ فَجَاءَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ بِغَايَةِ الْبَيَانِ لِرَفْعِ الْإِشْكَالِ ؛ وَهَذَا دَقِيقٌ فَتَأَمَّلُوهُ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ : فِي فَائِدَةِ الْآيَةِ وَلِأَجْلِ مَا سِيقَتْ لَهُ : وَفِي ذَلِكَ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ : الْأُولَى : نَسْخُ الْحُكْمِ الَّذِي كَانَ اللَّهُ قَدْ أَلْزَمَهُ بِقَوْلِهِ : { لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ } فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَدْ أَحَلَّ لَهُ أَزْوَاجَهُ اللَّوَاتِي عِنْدَهُ ، وَغَيْرَهُنَّ مِمَّنْ سَمَّاهُ مَعَهُنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ .
الثَّانِيَةُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمَهُ أَنَّ الْإِبَاحَةَ لَيْسَتْ مُطْلَقَةً فِي جُمْلَةِ النِّسَاءِ ؛ وَإِنَّمَا هِيَ فِي الْمُعَيَّنَاتِ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ بَنَاتِ الْعَمِّ وَالْعَمَّاتِ ، وَبَنَاتِ الْخَالِ وَالْخَالَاتِ الْمُسْلِمَاتِ ، وَالْمُهَاجِرَاتِ وَالْمُؤْمِنَاتِ .
الثَّالِثَةُ : أَنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ لَهُ نِكَاحَ الْمُسْلِمَةِ ؛ فَأَمَّا الْكَافِرَةُ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
الرَّابِعَةُ : أَنَّهُ لَمْ يُبِحْ لَهُ نِكَاحَ الْإِمَاءِ أَيْضًا صِيَانَةً لَهُ ، وَتَكْرِمَةً لِقَدْرِهِ ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ : قَوْلُهُ : { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } وَقَدْ بَيَّنَّا سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ وَغَيْرِهَا : { أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَتْ عَلَيْهِ ، وَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ إنِّي وَهَبْت لَك نَفْسِي .
الْحَدِيثُ إلَى آخِرِهِ } .
وَوَرَدَ فِي ذَلِكَ لِلْمُفَسِّرِينَ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : نَزَلَتْ فِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ ، خَطَبَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَجَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَى الْعَبَّاسِ عَمِّهِ .
وَقِيلَ : وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ ؛ قَالَهُ الزُّهْرِيُّ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ ، وَقَتَادَةُ .
الثَّانِي : أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أُمِّ شَرِيكٍ الْأَزْدِيَّةِ ، وَقِيلَ الْعَامِرِيَّةِ ، وَاسْمُهَا غَزِيَّةُ ؛ قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ، وَعُرْوَةُ ، وَالشَّعْبِيُّ .
الثَّالِثُ : أَنَّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ أُمُّ الْمَسَاكِينِ .
الرَّابِعُ : أَنَّهَا أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ .
الْخَامِسُ : أَنَّهَا خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةُ .
قَالَ الْقَاضِي ابْنُ الْعَرَبِيِّ : أَمَّا سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فَلَمْ يَرِدْ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ ، وَإِنَّمَا هَذِهِ الْأَقْوَالُ وَارِدَةٌ بِطُرُقٍ مِنْ غَيْرِ خُطُمٍ وَلَا أَزِمَّةٍ ، بِيدَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمَا قَالَا : لَمْ يَكُنْ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ مَوْهُوبَةٌ .
وَقَدْ بَيَّنَّا الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ فِي مَجِيءِ الْمَرْأَةِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُقُوفِهَا عَلَيْهِ ، وَهِبَتِهَا نَفْسَهَا لَهُ مِنْ طَرِيقٍ سَهْلٍ وَغَيْرِهِ فِي الصِّحَاحِ ، وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي ثَبَتَ سَنَدُهُ ، وَصَحَّ نَقْلُهُ .
وَاَلَّذِي يَتَحَقَّقُ أَنَّهَا لَمَّا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَهَبْت نَفْسِي لَك ؛ فَسَكَتَ عَنْهَا ، حَتَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ : زَوِّجْنِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَك
بِهَا حَاجَةٌ .
وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْهِبَةُ غَيْرَ جَائِزَةٍ لَمَا سَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى الْبَاطِلِ إذَا سَمِعَهُ ، حَسْبَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُهُ ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ قَدْ كَانَتْ بِالْإِحْلَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَكَتَ مُنْتَظِرًا بَيَانًا ؛ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّخْيِيرِ ؛ فَاخْتَارَ تَرْكَهَا وَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَكَتَ نَاظِرًا فِي ذَلِكَ حَتَّى قَامَ الرَّجُلُ لَهَا طَالِبًا .
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : كُنْت أَغَارُ مِنْ اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَتْ : أَمَا تَسْتَحِي امْرَأَةٌ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ : { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَيْك مَنْ تَشَاءُ } فَقُلْت : مَا أَرَى رَبَّك إلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاك .
فَاقْتَضَى هَذَا اللَّفْظُ أَنَّ مَنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ عِدَّةٌ ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا أَنَّهُ تَزَوَّجَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً أَمْ لَا .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ : قَوْلُهُ : { وَامْرَأَةً } الْمَعْنَى أَحْلَلْنَا لَك امْرَأَةً تَهَبُ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ صَدَاقٍ فَإِنَّهُ أَحَلَّ لَهُ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا أَزْوَاجَهُ اللَّاتِي آتَى أُجُورَهُنَّ .
وَهَذَا مَعْنًى يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ ؛ فَزَادَهُ فَضْلًا عَلَى أُمَّتِهِ أَنْ أَحَلَّ لَهُ الْمَوْهُوبَةَ ، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ .
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ : قَوْلُهُ : { مُؤْمِنَةً } وَهَذَا تَقْيِيدٌ مِنْ طَرِيقِ التَّخْصِيصِ بِالتَّعْلِيلِ وَالتَّشْرِيفِ ، لَا مِنْ طَرِيقِ دَلِيلِ الْخِطَابِ ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ، وَفِي هَذَا الْكِتَابِ فِي أَمْثَالِ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْكَافِرَةَ لَا تَحِلُّ لَهُ .
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ : وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِ الْحُرَّةِ الْكَافِرَةِ عَلَيْهِ .
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَالصَّحِيحُ عِنْدِي تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ ، وَبِهَذَا يَتَمَيَّزُ عَلَيْنَا فَإِنَّهُ مَا كَانَ مِنْ جَانِبِ الْفَضَائِلِ وَالْكَرَامَةِ فَحَظُّهُ فِيهِ أَكْثَرُ ، وَمَا كَانَ مِنْ جَانِبِ النَّقَائِصِ فَجَانِبُهُ عَنْهَا أَظْهَرُ ، فَجَوَّزَ لَنَا نِكَاحَ الْحَرَائِرِ مِنْ الْكِتَابِيَّاتِ ، وَقُصِرَ هُوَ لِجَلَالَتِهِ عَلَى الْمُؤْمِنَاتِ ، وَإِذَا كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ لِنُقْصَانِ فَضْلِ الْهِجْرَةِ فَأَحْرَى أَلَّا تَحِلَّ لَهُ الْكِتَابِيَّةُ الْحُرَّةُ لِنُقْصَانِ الْكُفْرِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ : قَوْلُهُ : { إنْ وَهَبَتْ } : قُرِئَتْ بِالْفَتْحِ فِي الْأَلِفِ وَكَسْرِهَا ، وَقَرَأَتْ الْجَمَاعَةُ فِيهَا بِالْكَسْرِ ، عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ .
تَقْدِيرُهُ وَأَحْلَلْنَا لَك امْرَأَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَك ، لَا يَجُوزُ تَقْدِيرُ سِوَى ذَلِكَ .
وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُ إنْ مَحْذُوفًا ، وَتَقْدِيرُهُ إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ حَلَّتْ لَهُ وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى وَالْعَرَبِيَّةِ ، وَذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي مَوْضِعِهِ .
وَيُعْزَى إلَى الْحَسَنِ أَنَّهُ قَرَأَهَا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً وَاحِدَةً حَلَّتْ لَهُ ، لِأَجْلِ أَنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ ، وَهِيَ لَا تَجُوزُ تِلَاوَةً ، وَلَا تُوجِبُ حُكْمًا .
الثَّانِي : أَنْ تُوجِبَ أَنْ يَكُون
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://moosam66.yoo7.com
mousa
.
.
mousa


مصر
عدد المساهمات : 6914

كتاب أحكام القرآن ج18 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب أحكام القرآن ج18   كتاب أحكام القرآن ج18 I_icon_minitimeالإثنين أغسطس 01, 2011 6:53 am

الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ : قَوْلُهُ : { وَهَبَتْ نَفْسَهَا } وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ ، وَلَكِنَّهُ عَلَى صِفَاتٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْ جُمْلَةِ الْمُعَاوَضَاتِ وَإِجَارَةٌ مُبَايِنَةٌ لِلْإِجَارَاتِ ، وَلِهَذَا سُمِّيَ الصَّدَاقُ أُجْرَةً ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ ، فَأَبَاحَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ الصَّدَاقِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ .

الْمَسْأَلَةُ الْمُوفِيَةُ عِشْرِينَ : قَوْلُهُ : { إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا } مَعْنَاهُ أَنَّهَا إذَا وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَيَّرٌ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ نَكَحَهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا ؛ وَإِنَّمَا بَيَّنَ ذَلِكَ ، وَجَعَلَهُ قُرْآنًا يُتْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ؛ لِأَنَّ مِنْ مَكَارِمِ أَخْلَاقِ نَبِيِّنَا أَنْ يَقْبَلَ مِنْ الْوَاهِبِ هِبَتَهُ ، وَيَرَى الْأَكَارِمُ أَنَّ رَدَّهَا هُجْنَةٌ فِي الْعَادَةِ ، وَوَصْمَةٌ عَلَى الْوَاهِبِ ، وَإِذَايَةٌ لِقَلْبِهِ ؛ فَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ فِي حَقِّ رَسُولِهِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ ، وَلِيُبْطِلَ ظَنَّ النَّاسِ فِي عَادَتِهِمْ وَقَوْلِهِمْ .

الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ : قَوْلُهُ : { خَالِصَةً لَك } وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : أَحَدُهَا : خَالِصَةً لَك : إذَا وَهَبَتْ لَك نَفْسَهَا أَنْ تَنْكِحَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَلَا وَلِيٍّ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ قَتَادَةُ .
وَقَدْ أَنْفَذَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ نِكَاحَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فِي السَّمَاءِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ مِنْ الْخَلْقِ ، وَلَا بَذْلِ صَدَاقٍ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ بِحُكْمِ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ وَمَالِك الْعَالَمِينَ .
الثَّانِي : نِكَاحُهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ ؛ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ .
الثَّالِثُ : أَنَّ عَقْدَ نِكَاحِهَا بِلَفْظِ الْهِبَةِ خَالِصًا لَك ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِك [ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ] ؛ قَالَهُ الشَّعْبِيُّ .
قَالَ الْقَاضِي : الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي رَاجِعَانِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ ، إلَّا أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِي أَصَحُّ مِنْ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الصَّدَاقِ مَذْكُورٌ فِي الْآيَةِ ، وَلِذَلِكَ جَاءَتْ وَهُوَ قَوْلُهُ : { إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } فَأَمَّا سُقُوطُ الْوَلِيِّ فَلَيْسَ لَهُ فِيهَا ذِكْرٌ ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ ، وَهُوَ أَنَّ لِلْوَلِيِّ النِّكَاحَ ؛ وَإِنَّمَا شُرِعَ لِقِلَّةِ الثِّقَةِ بِالْمَرْأَةِ فِي اخْتِيَارِ أَعْيَانِ الْأَزْوَاجِ ، وَخَوْفِ غَلَبَةِ الشَّهْوَةِ فِي نِكَاحِ غَيْرِ الْكُفْءِ ، وَإِلْحَاقِ الْعَارِ بِالْأَوْلِيَاءِ ، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَدْ خَصَّصَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ بِمَعَانٍ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ فِي بَابِ الْفَرْضِ وَالتَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ ، مَزِيَّةً عَلَى الْأُمَّةِ ، وَهَيْبَةً لَهُ ، وَمَرْتَبَةً خُصَّ بِهَا ؛ فَفُرِضَتْ عَلَيْهِ أَشْيَاءُ ، وَمَا فُرِضَتْ عَلَى غَيْرِهِ ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أَشْيَاءُ وَأَفْعَالٌ لَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْهِمْ ؛ وَحُلِّلَتْ لَهُ أَشْيَاءُ لَمْ تُحَلَّلْ لَهُمْ ، مِنْهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَمِنْهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، أَفَادَنِيهَا الشَّهِيدُ الْأَكْبَرُ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ ، وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْدَ أَنَّا نُشِيرُ هَاهُنَا إلَى جُمْلَةِ الْأَمْرِ لِمَكَانِ الْفَائِدَةِ فِيهِ ، وَتَعَلُّقِ الْمَعْنَى فِيهِ إشَارَةً مُوجِزَةً ، تَبِينُ لِلَّبِيبِ وَتُبْصِرُ الْمُرِيبَ ، فَنَقُولُ : أَمَّا قِسْمُ الْفَرِيضَةِ فَجُمْلَتُهُ تِسْعَةٌ : الْأَوَّلُ : التَّهَجُّدُ بِاللَّيْلِ .
الثَّانِي : الضُّحَى .
الثَّالِثُ : الْأَضْحَى .
الرَّابِعُ : الْوِتْرُ ، وَهُوَ يَدْخُلُ فِي قِسْمِ التَّهَجُّدِ .
الْخَامِسُ : السِّوَاكُ .
السَّادِسُ : قَضَاءُ دَيْنِ مَنْ مَاتَ مُعْسِرًا .
السَّابِعُ : مُشَاوِرَةُ ذَوِي الْأَحْلَامِ فِي غَيْرِ الشَّرَائِعِ .
الثَّامِنُ : تَخْيِيرُ النِّسَاءِ .
التَّاسِعُ : كَانَ إذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ .
وَأَمَّا قِسْمُ التَّحْرِيمِ فَجُمْلَتُهُ عَشْرَةٌ : الْأَوَّلُ : تَحْرِيمُ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ .
الثَّانِي : صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ عَلَيْهِ ، وَفِي آلِهِ تَفْصِيلٌ بِاخْتِلَافٍ .
الثَّالِثُ : خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ ، وَهُوَ أَنْ يُظْهِرَ خِلَافَ مَا يُضْمِرُ ، أَوْ يَنْخَدِعَ عَمَّا يُحِبُّ ، وَقَدْ ذَمَّ بَعْضَ الْكُفَّارِ عِنْدَ إذْنِهِ ؛ ثُمَّ أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ عِنْدَ دُخُولِهِ .
الرَّابِعُ : حَرَّمَ عَلَيْهِ إذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَخْلَعَهَا عَنْهُ ، أَوْ يَحْكُمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَارِبِهِ ، وَيَدْخُلُ مَعَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْخَيْرِ .
الْخَامِسُ : الْأَكْلُ مُتَّكِئًا .
السَّادِسُ : أَكْلُ الْأَطْعِمَةِ الْكَرِيهَةِ الرَّائِحَةِ .
السَّابِعُ :
التَّبَدُّلُ بِأَزْوَاجِهِ .
الثَّامِنُ : نِكَاحُ امْرَأَةٍ تَكْرَهُ صُحْبَتَهُ .
التَّاسِعُ : نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ .
الْعَاشِرُ : نِكَاحُ الْأَمَةِ ، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ .
وَأَمَّا قِسْمُ التَّحْلِيلِ فَصَفِيُّ الْمَغْنَمِ .
الثَّانِي : الِاسْتِبْدَادُ بِخُمْسِ الْخُمْسِ أَوْ الْخُمْسِ .
الثَّالِثُ : الْوِصَالُ .
الرَّابِعُ : الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعِ نِسْوَةٍ .
الْخَامِسُ : النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ .
السَّادِسُ : النِّكَاحُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ .
السَّابِعُ : النِّكَاحُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ .
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نِكَاحِهِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي حَقِّهِ ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي نِكَاحِهِ بِغَيْرِ مَهْرٍ ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الثَّامِنُ : نِكَاحُهُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ ، فَفِي الصَّحِيحِ { أَنَّهُ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ } ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ .
التَّاسِعُ : سُقُوطُ الْقَسَمِ بَيْنَ الْأَزْوَاجِ عَنْهُ ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي قَوْلِهِ : { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَيْك مَنْ تَشَاءُ } .
الْعَاشِرُ : إذَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى امْرَأَةٍ وَجَبَ عَلَى زَوْجِهَا طَلَاقُهَا ، وَحَلَّ لَهُ نِكَاحُهَا .
قَالَ الْقَاضِي : هَكَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْأَمْرَ فِي قِصَّةِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ كَيْفَ وَقَعَ .
الْحَادِيَ عَشَرَ : أَنَّهُ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا ؛ وَفِي هَذَا اخْتِلَافٌ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْإِنْصَافِ ، وَيَتَعَلَّقُ بِنِكَاحِهِ بِغَيْرِ مَهْرٍ أَيْضًا .
الثَّانِيَ عَشَرَ : دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ، وَفِي حَقِّنَا فِيهِ اخْتِلَافٌ .
الثَّالِثَ عَشَرَ : الْقِتَالُ بِمَكَّةَ ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي ، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي ، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ } .
الرَّابِعَ عَشَرَ : أَنَّهُ لَا يُورَثُ .
قَالَ الْقَاضِي : إنَّمَا ذَكَرْته فِي قِسْمِ التَّحْلِيلِ ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَارَبَ الْمَوْتَ بِالْمَرَضِ زَالَ عَنْهُ
أَكْثَرُ مِلْكِهِ ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا الثُّلُثُ خَالِصًا ، وَبَقِيَ مِلْكُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ مَا تَقَدَّمَ فِي آيَةِ الْمِيرَاثِ .
الْخَامِسَ عَشَرَ : بَقَاءُ زَوْجِيَّتِهِ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ .
السَّادِسَ عَشَرَ : إذَا طَلَّقَ امْرَأَةً ، هَلْ تَبْقَى حُرْمَتُهُ عَلَيْهَا فَلَا تُنْكَحُ ؟ .
وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ سَتَأْتِيَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ فِي الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى اخْتِلَافِهَا مَشْرُوحَةٌ فِي تَفَارِيقِهَا ، حَيْثُ وَقَعَتْ مَجْمُوعَةٌ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْمَوْسُومِ بِالنَّيِّرَيْنِ فِي شَرْحِ الصَّحِيحَيْنِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ : تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي إعْرَابِ قَوْلِهِ : { خَالِصَةً لَك } ، وَغَلَبَ عَلَيْهِمْ الْوَهْمُ فِيهِ ، وَقَدْ شَرَحْنَاهُ فِي مُلْجِئَةِ الْمُتَفَقِّهِينَ .
وَحَقِيقَتُهُ عِنْدِي أَنَّهُ حَالٌ مِنْ ضَمِيرٍ مُتَّصِلٍ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمُظْهَرُ ، تَقْدِيرُهُ أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك ، وَأَحْلَلْنَا لَك امْرَأَةً مُؤْمِنَةً ، أَحْلَلْنَاهَا خَالِصَةً بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَبِغَيْرِ صَدَاقٍ ، وَعَلَيْهِ انْبَنَى مَعْنَى الْخُلُوصِ هَاهُنَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ : قِيلَ : هُوَ خُلُوصُ النِّكَاحِ لَهُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَعَلَيْهِ انْبَنَى مَعْنَى الْخُلُوصِ هَاهُنَا .
وَهَذَا ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا : إنَّ نِكَاحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْوَلِيِّ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ { قَوْلُهُ لِعَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَبِيبِهِ ، حِينَ زَوَّجَ أُمَّهُ : قُمْ يَا غُلَامُ فَزَوِّجْ أُمَّك } .
وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ هَذَا ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمَوْهُوبَةِ : وَهَبْت نَفْسِي لَك لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ ، وَلَا بُدَّ بَعْدَهُ مِنْ عَقْدٍ مَعَ الْوَلِيِّ ، فَهَلْ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِهِ وَصِفَتِهِ أَمْ لَا ؟ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى لَا ذِكْرَ لِلْآيَةِ فِيهَا .
الثَّانِي : أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْآيَةِ خُلُوُّ النِّكَاحِ مِنْ الصَّدَاقِ ، وَلَهُ جَاءَ الْبَيَانُ ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ الْخُلُوصُ الْمَخْصُوصُ بِهِ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا ، فَذَكَرَهُ فِي جَنْبَتِهِ بِلَفْظِ النِّكَاحِ الْمَخْصُوصِ بِهَذَا الْعَقْدِ ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ وَهَبَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ ، فَإِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَوَّجَ ، فَيَكُونُ النِّكَاحُ حُكْمًا مُسْتَأْنَفًا ، لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ ، إلَّا فِي الْمَقْصُودِ مِنْ الْهِبَةِ ، وَهُوَ سُقُوطُ الْعِوَضِ وَهُوَ الصَّدَاقُ .
الرَّابِعُ : إنَّا لَا نَقُولُ : إنَّ النِّكَاحَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ جَائِزٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ ؛ فَإِنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك ، وَأَحْلَلْنَا لَك الْمَرْأَةَ الْوَاهِبَةَ نَفْسَهَا خَالِصَةً ، فَلَوْ جَعَلْنَا قَوْلَهُ : { خَالِصَةً } حَالًا مِنْ الصِّفَةِ الَّتِي هِيَ ذِكْرُ الْهِبَةِ دُونَ الْمَوْصُوفِ الَّذِي هُوَ الْمَرْأَةُ وَسُقُوطُ الصَّدَاقِ ، لَكَانَ إخْلَالًا مِنْ الْقَوْلِ ، وَعُدُولًا عَنْ الْمَقْصُودِ فِي اللَّفْظِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَرَبِيَّةً ، وَلَا مَعْنًى .
أَلَا تَرَى أَنَّك لَوْ
قُلْت : أُحَدِّثُك بِالْحَدِيثِ الرُّبَاعِيِّ خَالِصًا لَك دُونَ أَصْحَابِك لَمَا كَانَ رُجُوعُ الْحَالِ إلَّا إلَى الْمَقْصُودِ الْمَوْصُوفِ ، وَهُوَ الْحَدِيثُ ؛ هَذَا عَلَى نِظَامِ التَّقْدِيرِ ، فَلَوْ قُلْت عَلَى لَفْظِ أُحَدِّثُك بِحَدِيثٍ إنْ وَجَدْته بِأَرْبَعِ رِوَايَاتٍ خَالِصًا ذَلِكَ دُونَ أَصْحَابِك لَرَجَعَتْ الْحَالُ إلَى الْمَقْصُودِ الْمَوْصُوفِ أَيْضًا ، دُونَ الصِّفَةِ ؛ وَهَذَا لَا يَفْهَمُهُ إلَّا الْمُتَحَقِّقُونَ فِي الْعَرَبِيَّةِ ، وَمَا أَرَى مَنْ عَزَا إلَى الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ : { خَالِصَةً } يَرْجِعُ إلَى النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ إلَّا قَدْ وَهَمَ ، لِأَجْلِ مَكَانَتِهِ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ .
وَالنِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ جَائِزٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا ، مَعْرُوفٌ بِدَلِيلِهِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : قَوْله تَعَالَى : { مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } فَائِدَتُهُ أَنَّ الْكُفَّارَ وَإِنْ كَانُوا مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ عِنْدَنَا فَلَيْسَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ دُخُولٌ ؛ لِأَنَّ تَصْرِيفَ الْأَحْكَامِ إنَّمَا تَكُونُ بَيْنَهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ الْإِسْلَامِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ : قَوْله تَعَالَى : { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ } قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي بَيَانِ عِلْمِ اللَّهِ فِي كِتَابِ الْمُشْكِلَيْنِ وَكِتَابِ الْأُصُولِ .
وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ : وَهِيَ قَوْلُهُ : ( مَا فَرَضْنَا ) وَبَيَّنَّا مَعْنَى الْفَرْضِ ، وَالْقَدْرُ الْمُخْتَصُّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّ عِلْمَهُ سَابِقٌ بِكُلِّ مَا حَكَمَ بِهِ ، وَقَرَّرَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتِهِ فِي النِّكَاحِ وَأَعْدَادِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَمِلْكِ الْيَمِينِ وَشُرُوطِهِ ، بِخِلَافِهِ ، فَهُوَ حُكْمٌ سَبَقَ بِهِ الْعِلْمُ ، وَقَضَاءٌ حَقَّ بِهِ الْقَوْلُ لِلنَّبِيِّ فِي تَشْرِيعِهِ وَلِلْمُنْبَأِ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ بِتَكْلِيفِهِ .
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : قَوْله تَعَالَى : { لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْك حَرَجٌ } أَيْ ضِيقٌ فِي أَمْرٍ أَنْتَ فِيهِ مُحْتَاجٌ إلَى السَّعَةِ ، كَمَا أَنَّهُ ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ فِي أَمْرٍ لَا يَسْتَطِيعُونَ فِيهِ شَرْطَ السَّعَةِ عَلَيْهِمْ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ : قَوْله تَعَالَى : { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } قَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ " الْأَمَدِ الْأَقْصَى " بَيَانًا شَافِيًا .
وَالْمِقْدَارُ الَّذِي يَنْتَظِمُ بِهِ الْكَلَامُ هَاهُنَا أَنَّهُ لَمْ يُؤَاخِذْ النَّاسَ بِذُنُوبِهِمْ ، بَلْ بِقَوْلِهِمْ ، وَرَحِمَهُمْ وَشَرَّفَ رُسُلَهُ الْكِرَامَ ، فَجَعَلَهُمْ فَوْقَهُمْ ، وَلَمْ يُعْطِ عَلَى مِقْدَارِ مَا يَسْتَحِقُّونَ ، إذْ لَا يَسْتَحِقُّونَ عَلَيْهِ شَيْئًا ؛ بَلْ زَادَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ، وَعَمَّهُمْ بِرِفْقِهِ وَلُطْفِهِ ، وَلَوْ أَخَذَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ، وَأَعْطَاهُمْ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ عِنْدَ مَنْ يَرَى ذَلِكَ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ فِيهِمْ ، لَمَا وَجَبَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ ، وَلَا غُفِرَ لِلْخَلْقِ ذَنْبٌ ؛ وَلَكِنَّهُ أَنْعَمَ عَلَى الْكُلِّ ، وَقَدَّمَ مَنَازِلَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وَأَعْطَى كُلًّا عَلَى قَدْرِ عِلْمِهِ وَحُكْمِهِ وَحِكْمَتِهِ ؛ وَذَلِكَ كُلُّهُ بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ .
الْآيَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ : قَوْله تَعَالَى : { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَيْك مَنْ تَشَاءُ وَمَنْ ابْتَغَيْت مِمَّنْ عَزَلْت فَلَا جُنَاحَ عَلَيْك ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا } .
فِيهَا عَشْرُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي سَبَبِ نُزُولِهَا : وَفِي ذَلِكَ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ رَوَى أَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ { أَنَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَشْفَقْنَ أَنْ يُطَلِّقَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ اجْعَلْ لَنَا مِنْ نَفْسِك وَمَالِك مَا شِئْت ، فَكَانَتْ مِنْهُنَّ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ ، وَجُوَيْرِيَةُ ، وَصَفِيَّةُ ، وَمَيْمُونَةُ ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ ، غَيْرُ مَقْسُومٍ لَهُنَّ وَكَانَ مِمَّنْ آوَى عَائِشَةُ ، وَأُمُّ سَلَمَةَ ، وَزَيْنَبُ ، وَأُمُّ سَلَمَةَ ، يَضُمُّهُنَّ ، وَيَقْسِمُ لَهُنَّ } قَالَهُ الضَّحَّاكُ .
الثَّانِي : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَرَادَ مَنْ شِئْت أَمْسَكْت ، وَمَنْ شِئْت طَلَّقْت .
الثَّالِثُ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا خَطَبَ امْرَأَةً لَمْ يَكُنْ لِرَجُلٍ أَنْ يَخْطِبَهَا حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يَتْرُكَهَا .
وَالْمَعْنَى اُتْرُكْ نِكَاحَ مَنْ شِئْت ، وَانْكِحْ مَنْ شِئْت ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ .
الرَّابِعُ : تَعْزِلُ مَنْ شِئْت ، وَتَضُمُّ مَنْ شِئْت ؛ قَالَهُ قَتَادَةُ .
الْخَامِسُ : قَالَ أَبُو رَزِينٍ : تَعْزِلُ مَنْ شِئْت عَنْ الْقَسْمِ ، وَتَضُمُّ مَنْ شِئْت إلَى الْقَسْمِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي تَصْحِيحِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ : أَمَّا قَوْلُ أَبِي رَزِينٍ فَلَمْ يَرِدْ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ ؛ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَرُوِيَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ { سَوْدَةَ لَمَّا كَبِرَتْ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ اجْعَلْ يَوْمِي مِنْك لِعَائِشَةَ ، فَكَانَ
يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ : يَوْمَهَا ، وَيَوْمَ سَوْدَةَ } .
وَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا حَسَنٍ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ امْتِنَاعَ خِطْبَةِ مَنْ يَخْطُبُهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لَهُ ذِكْرٌ وَلَا دَلِيلٌ فِي شَيْءٍ مِنْ مَعَانِي الْآيَةِ وَلَا أَلْفَاظِهَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَيْك مَنْ تَشَاءُ } يَعْنِي تُؤَخِّرُ وَتَضُمُّ ، وَيُقَالُ : أَرْجَأْته إذَا أَخَّرْته ، وَآوَيْت فُلَانًا إذَا ضَمَمْته وَجَعَلْته فِي ذُرَاك وَفِي جُمْلَتِك ، فَقِيلَ فِيهِ أَقْوَالٌ سِتَّةٌ : الْأَوَّلُ : تُطَلِّقُ مَنْ شِئْت ، وَتُمْسِكُ مَنْ شِئْت ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ .
الثَّانِي : تَتْرُكُ مَنْ شِئْت ، وَتَنْكِحُ مَنْ شِئْت ؛ قَالَهُ قَتَادَةُ .
الثَّالِثُ : مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ .
الرَّابِعُ : تَقْسِمُ لِمَنْ شِئْت ، وَتَتْرُكُ قَسْمَ مَنْ شِئْت .
الْخَامِسُ : مَا فِي الصَّحِيحِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كُنْت أَغَارُ مِنْ اللَّائِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقُولُ : أَتَهَبُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا ؟ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ : { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَيْك مَنْ تَشَاءُ } .
قُلْت : مَا أَرَى رَبَّك إلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاك .
السَّادِسُ : ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَأْذِنُ فِي يَوْمِ الْمَرْأَةِ مِنَّا بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَيْك مَنْ تَشَاءُ وَمَنْ ابْتَغَيْت مِمَّنْ عَزَلْت فَلَا جُنَاحَ عَلَيْك } ، فَقِيلَ لَهَا : مَا كُنْت تَقُولِينَ ؟ قَالَتْ : كُنْت أَقُولُ : إنْ كَانَ الْأَمْرُ إلَيَّ فَإِنِّي لَا أُرِيدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ أُوثِرَ عَلَيْك أَحَدًا } .
وَبَعْضُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ يَتَدَاخَلُ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا ، وَهَذَا الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ .
وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ هُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُخَيَّرًا فِي أَزْوَاجِهِ إنْ شَاءَ أَنْ يَقْسِمَ قَسَمَ ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَ الْقَسْمَ تَرَكَ ، لَكِنَّهُ كَانَ يَقْسِمُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ دُونَ فَرْضِ ذَلِكَ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّهُ قِيلَ لَهُ : انْكِحْ مَنْ شِئْت ، وَاتْرُكْ مَنْ شِئْت ، فَقَدْ أَفَادَهُ قَوْلُهُ : {
إنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُك مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْك وَبَنَاتِ عَمِّك وَبَنَاتِ عَمَّاتِك وَبَنَاتِ خَالِك وَبَنَاتِ خَالَاتِك اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَك مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } .
حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فِي ذَلِكَ وَالِانْتِهَاءِ إلَى آخِرِ الْآيَةِ ، فَهَذَا الْقَوْلُ يُحْمَلُ عَلَى فَائِدَةٍ مُجَرَّدَةٍ ، فَأَمَّا وُجُوبُ الْقَسْمِ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَقْتَضِيهِ ، وَيَلْزَمُ الزَّوْجَ ؛ فَخُصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ بِأَنْ جُعِلَ الْأَمْرُ فِيهِ إلَيْهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَكَيْفَ يُقَالُ : إنَّ الْقَسْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَعْدِلُ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فِي الْقَسْمِ ، وَيَقُولُ : { هَذِهِ قُدْرَتِي فِيمَا أَمْلِكُ ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ يَعْنِي قَلْبَهُ } " لِإِيثَارِ عَائِشَةَ دُونَ أَنْ يَكُونَ يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ فِعْلِهِ .
قُلْنَا : ذَلِكَ مِنْ خِلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَضْلِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعْطَاهُ سُقُوطَهُ ؛ وَكَانَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْتَزِمُهُ تَطَيُّبًا لِنُفُوسِهِنَّ ، وَصَوْنًا لَهُنَّ عَنْ أَقْوَالِ الْغَيْرَةِ الَّتِي رُبَّمَا تَرَقَّتْ إلَى مَا لَا يَنْبَغِي .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ : { وَمَنْ ابْتَغَيْت مِمَّنْ عَزَلْت } يَعْنِي طَلَبْت ، وَالِابْتِغَاءُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الطَّلَبُ ، وَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْإِرَادَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ مُوسَى : { ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَوْلُهُ : { مِمَّنْ عَزَلْت } يَعْنِي أَزَلْت ، وَالْعُزْلَةُ الْإِزَالَةُ ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ فِي اللَّفْظَيْنِ مَفْهُومٌ .
وَالْمَعْنَى : وَمَنْ أَرَدْت أَنْ تَضُمَّهُ وَتُؤْوِيَهُ بَعْدَ أَنْ أَزَلْته فَقَدْ نِلْت ذَلِكَ عِنْدَنَا ، وَوَجَدْته تَحْقِيقًا لِقَوْلِ عَائِشَةَ :

لَا أَرَى رَبُّك إلَّا وَهُوَ يُسَارِعُ فِي هَوَاك ؛ فَإِنْ شَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤَخِّرَ أَخَّرَ ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُقَدِّمَ اسْتَقْدَمَ ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَقْلِبَ الْمُؤَخَّرَ مُقَدَّمًا وَالْمُقَدَّمَ مُؤَخَّرًا فَعَلَ ، لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَا حَرَجَ فِيهِ ، وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : وَقَدْ بَيَّنَّا الْجُنَاحَ فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَأَوْضَحْنَا حَقِيقَتَهُ .

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : قَوْلُهُ : { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ } : الْمَعْنَى أَنَّ الْأَمْرَ إذَا كَانَ الْإِدْنَاءُ وَالْإِقْصَاءُ لَهُنَّ ، وَالتَّقْرِيبُ وَالتَّبْعِيدُ إلَيْك ، تَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ مَا شِئْت ، كَانَ أَقْرَبَ إلَى قُرَّةِ أَعْيُنِهِنَّ ، وَرَاحَةِ قُلُوبِهِنَّ ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي شَيْءٍ كَانَ رَاضِيًا بِمَا أُوتِيَ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ حَقًّا لَمْ يُقْنِعْهُ مَا أُوتِيَ مِنْهُ ، وَاشْتَدَّتْ غَيْرَتُهُ عَلَيْهِ ، وَعَظُمَ حِرْصُهُ فِيهِ ، فَكَانَ مَا فَعَلَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ مِنْ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إلَيْهِ فِي أَحْوَالِ أَزْوَاجِهِ أَقْرَبَ إلَى رِضَاهُنَّ مَعَهُ ، وَاسْتِقْرَارِ أَعْيُنِهِنَّ عَلَى مَا يُسْمَحُ بِهِ مِنْهُ لَهُنَّ ، دُونَ أَنْ تَتَعَلَّقَ قُلُوبُهُنَّ بِأَكْثَرَ مِنْهُ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي : الْمَسْأَلَةِ الثَّامِنَةِ : { وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ } الْمَعْنَى : وَتَرْضَى كُلُّ وَاحِدَةٍ بِمَا أُوتِيَتْ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ ، لِعِلْمِهَا بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ حَقٍّ لَهَا ، وَإِنَّمَا هُوَ فَضْلٌ تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهَا ، وَقَلِيلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرٌ ، وَاسْمُ زَوْجَتِهِ ، وَالْكَوْنُ فِي عِصْمَتِهِ ، وَمَعَهُ فِي الْآخِرَةِ فِي دَرَجَتِهِ ، فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ كَبِيرٌ .

الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ : قَوْلُهُ : { وَاَللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ } وَقَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَهُوَ بَيِّنٌ عِنْدَ الْأُمَّةِ أَنَّ الْبَارِئَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ .
يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ، وَيَطَّلِعُ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ .
وَوَجْهُ تَخْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ هَاهُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِنَا مِنْ مَيْلٍ إلَى بَعْضِ مَا عِنْدَنَا مِنْ النِّسَاءِ دُونَ بَعْضٍ ، وَهُوَ يَسْمَحُ فِي ذَلِكَ ؛ إذْ لَا يَسْتَطِيعُ الْعَبْدُ أَنْ يَصْرِفَ قَلْبَهُ عَنْ ذَلِكَ الْمِيلِ إنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصْرِفَ فَعَلَهُ ، وَلَا يُؤَاخِذُ الْبَارِئُ سُبْحَانَهُ بِمَا فِي الْقَلْبِ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يُؤَاخِذُ بِمَا يَكُونُ مِنْ فِعْلٍ فِيهِ ، وَإِلَى ذَلِكَ يَعُودُ قَوْلُهُ : { وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا } وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ :
الْآيَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ قَوْله تَعَالَى : { لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْنُهُنَّ إلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُك وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا } .
فِيهَا تِسْعُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي سَبَبِ نُزُولِهَا : رُوِيَ { أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ ، لَمَّا تُوُفِّيَ زَوْجُهَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَعْجَبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُسْنُهَا ، فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ، فَنَزَلَتْ الْآيَةُ } .
وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ { لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ } اعْلَمُوا وَفَّقَكُمْ اللَّهُ أَنَّ كَلِمَةَ " بَعْدُ " ظَرْفٌ بُنِيَ عَلَى الضَّمِّ هَاهُنَا ، لِمَا اُقْتُرِنَ بِهِ مِنْ الْحَذْفِ ، فَصَارَ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ كَأَنَّهُ بَعْضُ كَلِمَةٍ ، فَرُبِطَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ لِيَتَبَيَّنَ ذَلِكَ .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَعْيِينِ الْمَحْذُوفِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدِ مَنْ عِنْدَك ، مِنْهُنَّ اللَّوَاتِي اخْتَرْنَك عَلَى الدُّنْيَا فَقُصِرَ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَجْلِ اخْتِيَارِهِنَّ لَهُ ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ .
الثَّانِي : مِنْ بَعْدِ مَا أَحْلَلْنَا لَك ، وَهِيَ الْآيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ ؛ قَالَهُ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ .
الثَّالِثُ : لَا يَحِلُّ لَك نِكَاحُ غَيْرِ الْمُسْلِمَاتِ ؛ قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَمُجَاهِدٌ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فِي التَّنْقِيحِ : أَمَّا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَحِلُّ لَك نِكَاحُ غَيْرِ الْمُسْلِمَاتِ فَدَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَحْتَمِلُ إلَّا قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَالثَّانِي قَوْلُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ .
فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أُبَيٍّ ، وَحَكَمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدِ مَا أَحْلَلْنَا لَك مِنْ أَزْوَاجِك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورَهُنَّ قَرَابَتَك الْمُؤْمِنَاتِ الْمُهَاجِرَاتِ ، وَالْوَاهِبَةَ نَفْسَهَا بَقِيَ عَلَى التَّحْرِيمِ مَنْ عَدَاهُنَّ .
وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأُبَيٍّ ، وَيَقْوَى فِي النَّفْسِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَ وَقَعَ الْأَمْرُ .
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ ؛ فَقَالَتْ عَائِشَةُ ، وَأُمُّ سَلَمَةَ : لَمْ يَمُتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ ، وَكَأَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَحَلَّ لَهُ النِّسَاءَ حَتَّى الْمَوْتِ قُصِرَ عَلَيْهِنَّ كَمَا قُصِرْنَ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَتِهِ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ

، وَجَمَاعَةٌ وَجَعَلُوا حَدِيثَ عَائِشَةَ سُنَّةً نَاسِخَةً ، وَهُوَ حَدِيثٌ وَاهٍ ، وَمُتَعَلَّقٌ ضَعِيفٌ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ ؛ فَتَمَّ تَمَامُ الْقَوْلِ وَبَيَانُهُ .

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْله تَعَالَى : { وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ } فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : لَا يَحِلُّ لَك أَنْ تُطَلِّقَ امْرَأَةً مِنْ أَزْوَاجِك ، وَتَنْكِحَ غَيْرَهَا ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ .
الثَّانِي : لَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَبَدَّلَ الْمُسْلِمَةَ الَّتِي عِنْدَك بِمُشْرِكَةٍ ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ .
الثَّالِثُ : لَا تُعْطِي زَوْجَك فِي زَوْجَةٍ أُخْرَى ، كَمَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ ؛ قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : أَصَحُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ : قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، لَهُ يَشْهَدُ النَّصُّ ، وَعَلَيْهِ يَقُومُ الدَّلِيلُ .
وَأَمَّا قَوْلُ مُجَاهِدٍ فَمَبْنِيٌّ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ ، وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِمَا يُبْطِلُ فَائِدَتَهُ وَيُسْقِطُ عُمُومَهُ ، وَيُبْطِلُ حُكْمَهُ ، وَيَذْهَبُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى ذَلِكَ .
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ فَضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ ذَلِكَ حُكْمٌ ثَابِتٌ فِي الشَّرْعِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ ؛ إذْ التَّعَاوُضُ فِي الزَّوْجَاتِ لَا يَجُوزُ .
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ : { بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ } ، وَهَذَا الْحُكْمُ لَا يَجُوزُ لَا بِهِنَّ وَلَا بِغَيْرِهِنَّ ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ اسْتِبْدَالَ الْجَاهِلِيَّةِ لَقَالَ : أَزْوَاجَك بِأَزْوَاجٍ ، وَمَتَى جَاءَ اللَّفْظُ خَاصًّا فِي حُكْمٍ لَا يَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ لِضَرُورَةٍ .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : قَوْله تَعَالَى : { إلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُك } الْمَعْنَى فَإِنَّهُ حَلَالٌ لَك عَلَى الْإِطْلَاقِ الْمَعْلُومِ فِي الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ .
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إحْلَالِ الْكَافِرَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ وَوَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُك } وَهَذَا عُمُومٌ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ خَوْفِ الْعَنَتِ ؛ وَهَذَا الشَّرْطُ مَعْدُومٌ فِي حَقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ ؛ فَأَمَّا وَطْؤُهَا بِمَلْكِ الْيَمِينِ فَيَتَرَدَّدُ فِيهِ .
وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْكَافِرَةِ ، وَلَا وَطْؤُهَا بِمَلْكِ الْيَمِينِ ، تَنْزِيهًا لِقَدْرِهِ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْكَافِرَةِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } ، فَكَيْفَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ : { اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك } ، فَشَرَطَ فِي الْإِحْلَالِ لَهُ الْهِجْرَةَ بَعْدَ الْإِيمَانِ ، فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ الْكَافِرَةَ تَحِلُّ لَهُ ،

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا } وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الرَّقِيبِ فِي أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْمَعْنَى الْمُخْتَصُّ بِهِ هَاهُنَا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ عِلْمًا مُسْتَمِرًّا ، وَيَحْكُمُ فِيهَا حُكْمًا مُسْتَقِرًّا ، وَيَرْبِطُ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ رَبْطًا يَنْتَظِمُ بِهِ الْوُجُودُ ، وَيَصِحُّ بِهِ التَّكْلِيفُ .

الْآيَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ : قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إنَاهُ وَلَكِنْ إذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاَللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا } .
فِيهَا ثَمَانِ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي سَبَبِ نُزُولِهَا : وَفِي ذَلِكَ سِتَّةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ : كِتَابِ الْبُخَارِيِّ ، وَمُسْلِمٍ ، وَالتِّرْمِذِيِّ وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : { تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ بِأَهْلِهِ ، فَصَنَعَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ أُمِّي حَيْسًا ، فَجَعَلَتْهُ فِي تَوْرٍ ، وَقَالَتْ لِي : يَا أَنَسُ اذْهَبْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْ : بَعَثَتْ بِهِ إلَيْك أُمِّي ، وَهِيَ تُقْرِئُك السَّلَامَ ، وَتَقُولُ لَك : إنَّ هَذَا لَك مِنَّا قَلِيلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : فَذَهَبْت بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُلْت : إنَّ أُمِّي تُقْرِئُك السَّلَامَ وَتَقُولُ لَك : إنَّ هَذَا لَك مِنَّا قَلِيلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : ضَعْهُ ثُمَّ قَالَ : اذْهَبْ فَادْعُ لِي فُلَانًا وَفُلَانًا ، وَمَنْ لَقِيت وَسَمَّى رِجَالًا فَدَعَوْت مَنْ سَمَّى ، وَمَنْ لَقِيت .
قَالَ : قُلْت لِأَنَسٍ : عَدَدُكُمْ كَمْ كَانُوا ؟ قَالَ : زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ .
فَقَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَنَسُ هَاتِ التَّوْرَ قَالَ : فَدَخَلُوا حَتَّى امْتَلَأَتْ الصُّفَّةُ وَالْحُجْرَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِيَتَحَلَّقْ عَشْرَةٌ عَشْرَةٌ ،
وَلْيَأْكُلْ كُلُّ إنْسَانٍ مِمَّا يَلِيهِ قَالَ : فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا قَالَ : فَخَرَجَتْ طَائِفَةٌ وَدَخَلَتْ طَائِفَةٌ ، حَتَّى أَكَلُوا كُلُّهُمْ قَالَ : قَالَ لِي : يَا أَنَسُ ، ارْفَعْ قَالَ : فَرَفَعْت ، فَمَا أَدْرِي حِينَ وَضَعْت كَانَ أَكْثَرَ أَمْ حِينَ رَفَعْت قَالَ : وَجَلَسَ مِنْهُمْ طَوَائِفُ يَتَحَدَّثُونَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَزَوْجَتُهُ مُوَلِّيَةٌ وَجْهَهَا إلَى الْحَائِطِ ، فَثَقُلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَمَّا رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَجَعَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ ثَقُلُوا عَلَيْهِ ، فَابْتَدَرُوا الْبَابَ ، وَخَرَجُوا كُلُّهُمْ ، وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَرْخَى السِّتْرَ ، وَدَخَلَ ، وَأَنَا جَالِسٌ فِي الْحُجْرَةِ ، فَلَمْ يَلْبَثْ إلَّا يَسِيرًا حَتَّى خَرَجَ عَلَيَّ ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهَا عَلَى النَّاسِ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إنَاهُ } إلَى آخِرِ الْآيَةِ .
قَالَ أَنَسٌ : أَنَا أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا بِهَذِهِ الْآيَاتِ ، وَحُجِبَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
الثَّانِي : رَوَى مُجَاهِدٌ عَنْ { عَائِشَةَ قَالَتْ : كُنْت آكُلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْسًا ، فَمَرَّ عُمَرُ فَدَعَاهُ ، فَأَكَلَ ، فَأَصَابَ أُصْبُعُهُ أُصْبُعِي ، فَقَالَ حِينَئِذٍ : لَوْ أُطَاعُ فِيكُنَّ مَا رَأَتْكُنَّ عَيْنٌ ؛ فَنَزَلَ الْحِجَابُ } .
الثَّالِثُ : مَا رَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إلَى الْمَنَاصِعِ وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ ، يَتَبَرَّزْنَ فِيهِ ، فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : اُحْجُبْ نِسَاءَك ، فَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ لَيْلَةً مِنْ اللَّيَالِي ، وَكَانَتْ امْرَأَةً طَوِيلَةً ، فَنَادَاهَا عُمَرُ : قَدْ عَرَفْنَاك يَا سَوْدَةُ ، حِرْصًا عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ قَالَتْ عَائِشَةُ : فَأُنْزِلَ الْحِجَابُ .
الرَّابِعُ : رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ : أُمِرَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجَابِ ، فَقَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ : يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؛ إنَّك تَغَارُ عَلَيْنَا وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْنَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } .
الْخَامِسُ : رَوَى قَتَادَةُ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ ، أَكَلُوا وَأَطَالُوا الْحَدِيثَ ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ ، وَيَسْتَحْيِي مِنْهُمْ ، وَاَللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ .
السَّادِسُ : رَوَى أَنَسٌ أَنَّ عُمَرَ قَالَ : قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ إنَّ نِسَاءَك يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ ، فَلَوْ أَمَرْتَهُنَّ أَنْ يَحْتَجِبْنَ ؛ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : هَذِهِ الرِّوَايَاتُ ضَعِيفَةٌ إلَّا الْأُولَى وَالسَّادِسَةَ ، وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَبَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ الْحِجَابَ نَزَلَ يَوْمَ الْبِنَاءِ بِزَيْنَبِ ، وَلَا يَصِحُّ مَا ذُكِرَ فِيهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : { بُيُوتَ النَّبِيِّ } صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْبَيْتَ بَيْتُ الرَّجُلِ إذْ جَعَلَهُ مُضَافًا إلَيْهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ : { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ } .
قُلْنَا : إضَافَةُ الْبُيُوتِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إضَافَةُ مِلْكٍ ، وَإِضَافَةُ الْبُيُوتِ إلَى الْأَزْوَاجِ إضَافَةُ مَحَلٍّ ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَعَلَ فِيهَا الْإِذْنَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْإِذْنُ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمَالِكِ ، وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ : { إنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ } صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ يُؤْذِي أَزْوَاجَهُ ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْبَيْتُ بَيْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَقُّ حَقَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَضَافَهُ إلَيْهِ .
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي بُيُوتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ كُنَّ يَسْكُنَّ فِيهَا ، هَلْ هُنَّ مِلْكٌ لَهُنَّ أَمْ لَا ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : كَانَتْ مِلْكًا لَهُنَّ بِدَلِيلِ أَنَّهُنَّ سَكَنَّ فِيهَا بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى وَفَاتِهِنَّ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَبَ لَهُنَّ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ .
وَقَالَتْ عَائِشَةُ : لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُنَّ ه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://moosam66.yoo7.com
 
كتاب أحكام القرآن ج18
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب أحكام القرآن ج20
» كتاب أحكام القرآن ج19
» كتاب أحكام القرآن ج19
» كتاب أحكام القرآن ج19
» كتاب أحكام القرآن ج18

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مصر اسلامية  :: سلة المحزوفات-
انتقل الى: